وقد يكون ثانويّاً ، والمجاز أيضاً قد يكون في لفظ العام ، أو في لفظ آخر ، في خطاب ، أو في خطابين ، وقد يضاف إليها كونه شائعاً ، كالأمر في الندب أو غير شائع ، وليس بجيّد ، لأنّ الكلام هنا مع قطع النظر عن خصوصيات المجاز والتخصيص .
ومن هنا يظهر ، أنّ تقسيم التخصيص إلى قريب وبعيد ليس في محلّه ، ففي المسألة صور :
منها : الدوران بين التخصيص الابتدائي وبين المجاز في لفظ واحد ، سواء اتحد الحكم ، كما في الآية السابقة ـ أعني قوله تعالى : ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) (١) ، أو اختلف ، كما إذا ورد ( أكرم الشعراء ) وعلم عدم وجوب إكرام بعضهم كالجهال على تقدير كون المراد بالشعراء معناه المعروف ، ووجوب إكرام جميعهم على تقدير كون المراد به العلماء مجازاً .
ويظهر الثمرة في العلماء الغير الشعراء ، فعلى الأوّل لا يجب إكرامهم ، وعلى الثاني يجب .
وكيف كان ، فالأظهر رجحان التخصيص على المجاز ، لغلبته حتى قيل : إنّه ما من عام إلّا وقد خصّ ، وربما يعارض هذا بما ادّعاه ابن جنّي من أغلبية المجازات .
وفيه : بعد المنع من تحقّق تلك الغلبة ، أنّ المراد بها غلبة المجاز بالمعنى الأعمّ ، الشامل للتخصيص أيضاً قبال الحقيقة ، فلا تعارض . سلّمنا أنّ مراده غلبة المجاز المقابل للتخصيص ، لكن نقول : إنّ غير واحد من العلماء صرّحوا بغلبة الحقائق ، فيتعارض النقلان ، أي نقلي الغلبة ، لكنّ الترجيح لما ذهب إليه المعظم من غلبة الحقائق ، سلّمنا ، لكنّهما متعارضان ، فيبقى غلبة التخصيص سليمة عن المعارض ، فيرجّح التخصيص على المجاز .
وكيف كان ، فغلبة التخصيص في العمومات توجب رجحانه على المجاز ، مضافاً إلى غلبة إرادة الحقيقة التي غير العموم ، فإنّها تقتضي بقاء مادة ( الشعراء ) مثلاً على حقيقتها ، فهي بانضمام غلبة التخصيص في العموم ترجّح إرادة الحقيقة من المادّة ، ويخصّص العام .
هذا ، مضافاً إلى أنّ النسبة بين العموم وغيره من الظواهر ، من نسبة الأصل إلى الدليل ، فلذا يعدّ العموم كالإطلاق من الاصول في مقابل المخصّص والمقيّد .
___________________________
(١) سورة التوبة : آية ٥ .