حيث إن غرض المتكلم اوّلاً وبالذات إفادة مطلبه ، فلا يرفع عنه باتيان شىء يعدّ أحسن من شيء آخر عند المحاورة ؛ وأمّا فيما لم يختلف المعنى باختلافها فممنوع ، إذ لا ريب أنّه لا يختل مراده على الوجهين ، فيدور الأمر بين إيراد مراده بأحسن الوجهين وأرجحهما ، أو بمرجوحهما ، ولا ريب أنّ الأرجحية حينئذ بنفسها مقتضية للعدم من ذاتها ، إذا كان عاقلاً غير عابث .
وإن أريد ما اخترناه من المزايا الآتية من الغلبة ، والاصول ، فعدم ايجابها لما ذكر ممنوع ، كما اعترف به ، بل هي موجِبة لرجحان ذاتها إلى الاعتقاد مطلقاً .
وأمّا منعه الكبرى فالجواب عنه ما سيجىء من الأدلة الدالة عليها .
وكيف كان ، فلنا على الكبرى المذكورة وجوه أربعة ، منها ما ذكره القمي قدس سره في القوانين (١) :
أحدها : الاجماع العملي من العلماء .
الثاني : دليل الانسداد .
الثالث : الاستقراء في حال الشارع ، وتتبعه حيث إنه علم ـ بالاستقراء من حاله ـ اعتبار الغلبة ، ويؤيده الخبر المروي في الجلد المطروح ، حيث ذكر فيه : إنه إذا كان الغالب فيها المسلمون فهو طاهر .
وفي كل منها نظر :
أمّا الاجماع ، فلعدم تحققه لنا .
وأمّا دليل الانسداد ، فلأنه ـ بناء عليه ـ يلزم باتّباع الظن الفعلي ، ولا يؤخذ بالظنون النوعية ، فهو إن كان حاصلاً في أحد الطرفين يؤخذ به ، ويطرح الآخر ، وإلّا فيطرح الطّرفان .
وأمّا الاستقراء ، فقطعيته ممنوعة ، وغايته حصول الظن منه ، فيكون طرحاً .
المرحلة الثالثة في اعتبار المرجحات ، المزايا المشار اليها في المرحلة الثانية ، فنقول :
ظاهر المشهور اعتبارها ، حيث إنهم عقدوا مسألة تعارض الأحوال لتشخيص المزايا ، وسكتوا عن البحث في كبراها ، ولم يعقدوا لها باباً ، كما عقدوا لصغراها ، فذلك
___________________________
(١) راجع القوانين : ٣٥ من قوله ولم نقف على من منع اعتبار مثل هذا الظن . . . إلى قوله فلاحظ وتامّل .