قلنا : الذي قسم المجاز إلى تلك الأقسام هو السيد العميدي (١) ( قدس سره ) وهو معترف بمجازية المثالين الأولين .
نعم لا يرد الإشكال بالنسبة إلى الأخير ، حيث إنه لم يعلم منه اختيار كون التضمين مجازاً ، فلعلّه حقيقة عنده ، كما هو الظّاهر عندي أيضاً وفاقاً لبعض المحققين .
أصل : لا كلام ، ولا شبهة في ثبوت الحقيقة اللغوية ، وإنما النزاع في موضعين :
الأوّل : ثبوت الحقيقة العرفية العامّة ، فقد منعها بعض الأخباريين محتجّاً باستحالة اتفاق كافة العرف العام على وضع لفظ لمعنىً عادة ، وليس بجيد ؛ لأنه إن كان مراده السّلب الكلي ، ففساده أوضح من أنّ يذكر ، إذ لا يجري ما ذكره في الحقائق العرفية التي صارت كذلك بواسطة غلبة الاستعمالات المجازية ، لأنها لا تحتاج إلى اجتماع العرف جميعاً ، بل ، ولا إلى اتفاق طائفة منهم ، بل يتوقف على استعمالاتهم المجازية الآيلة إلى حصول العلقة بين اللّفظ ، وبين المعنى الجديد .
هذا مضافاً إلى وقوع بعض الأمثلة منها ، كلفظ الدّابة والقارورة وغيرهما .
وإن كان مراده السّلب الجزئي ـ أعني نفي الحقيقة العرفية من جهة الوضع التعيّني .
ففيه : أنه لا يجب في ثبوت الحقيقة العرفية بالوضع التعيني اجتماع كافة العرب ، بل يكفي فيه أن يعيّن رئيسهم لفظاً بإزاء معنى من المعاني ويتبعه الباقون في الاستعمال .
وكيف كان ، فدعوى الاستحالة محتجاً بما ذكر لا وجه لها ، لعدم الحاجة إلى ما
___________________________
(١) منية اللبيب مخطوط في ذيل قول العلامة في التهذيب البحث الخامس في أقسام المجاز واليك نصّه : واعلم أنّ المجاز ينقسم تارة باعتبار ما يقع فيه التجوّز ، وتارة باعتبار ما به يقع التجوّز من المتكلّم ، أمّا الأوّل ، فنقول : التجوّز إمّا أن يقع في مفردات الألفاظ ، وإمّا أن يقع في تركيبها ، وإمّا أن يقع فيهما معاً ، والأوّل كاطلاق لفظ الأسد على الشجاع ، والحمار على البليد ، والثاني مثل ( طلعت الشمس ، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) وقول الشاعر . . . . . والتجوّز إنّما هو في التركيب ، وهو اسناد الطلوع إلى الشمس ، والإخراج إلى الأرض . . . . . وأمّا الثالث ، فكقوله أحياني اكتحالي بطلعتك ، فان كل واحد من هذه الالفاظ لم يرد منه حقيقة . . . إلّا أنّ المجاز في هذه المفردات وضعيّ ، وفي التركيب عقليّ لما عرفت ، وأمّا الثاني ، وهو التقسيم العارض للمجاز باعتبار ما به يقع التجوّز من المتكلّم ، فهو إمّا للزّيادة ، وهو أن يضيف إلى الكلمة ما لولاه لكانت جارية على حقيقتها كقوله تعالى « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ . . . . . » وإمّا النقصان وهو أن يحذف عن الكلمة ما لو كان مضافاً إليها لكانت جارية على حقيقتها ، كقوله تعالى « وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ » فانّه لو قيل واسأل أهل القرية لجرت الكلمة على حقيقتها ، وأمّا على هذا النقصان فيجب حمل لفظ القرية على المجاز .