ثم إن الحقيقة الشرعية ، لما كانت منسوبة إلى الشارع ، كما هو قضية حدها ، فينبغي الاشارة إلى معناه :
فنقول : إن الشارع مشتق من الشرع ، وهو في الأصل الطريق الحسي الذي يمرّ عليه ، وفي الاصطلاح : هو الدين وطريق عبادته سبحانه تعالى فهو منقول من الطريق الحسي إلى المعنوي ، فإنّ الدّين لما كان معناه طريق العبادة والإطاعة ، فهو طريق معنى .
وأما الشارع ، فالمحكي عن صريح بعضهم هو النبي صلى الله عليه وآله ، بل حكي نسبة بعض الأفاضل إياه إلى ظاهر كلام القوم . والمحكي عن بعض أنه حقيقة عرفية فيه صلى الله عليه وآله ، والظاهر أن مراده أنّ لفظ الشارع حيث إنه على زنة الفاعل بحسب وضعه الهيئي ظاهر في الله تعالى ، كما فهمه الشيخ محمد تقي ( قدس سره ) فيكون معناه جاعل الشرع أي الدين ، وهو الله سبحانه ، لا غير ، بناء على بطلان التفويض كلية ، أو في الجملة أيضاً ، بناء على عدم كفاية اتصافه صلى الله عليه وآله بالمبدأ في الجملة في صدق الاسم عليه ، مع القول بالتفويض في الجملة .
ويؤيد كونه هو الله قوله تعالى ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) (١) وقوله تعالى ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا ) (٢) الآية وورود الشارع في أسمائه تعالى .
لكن هذا لا ينفي جواز استعماله في النبي صلى الله عليه وآله أيضاً ، بل تدل على بطلان التفويض كلية ، وعلى بطلان انحصار اطلاقه عليه صلى الله عليه وآله .
وقد يتخيل أن معنى الشارع هو مبين الشرع ، بمقتضى الوضع الهيئي استناداً إلى أن شرع في الأصل بمعنى سنّ ، وهو بمعنى بيّن ، كما في القاموس ، وزنة الفاعل يقتضي تلبّس الذات واتصافها بالمبدأ ، فاذا صار المبدأ معناه التّبيين ، فيكون معنى الشارع بمقتضى الهيئة حينئذ هو المبيّن ، وهو النبيّ صلّى الله عليه وآله .
وفيه أوّلاً : منع كون شرع بمعنى بيّن ، ومجيء سنّ بمعناه لا تستلزمه .
وثانياً : انّ مادّة الشرع منقولة من المعنى اللغوي إلى الدين كما أشرنا إليه ، فالذي ذكره على تسليمه ، إنما هو مقتضى وضعه اللغوي لا الاصطلاحي .
وثالثاً : انه لا مرية أنه على فرض تسليمه لا يختص بالنبي صلى الله عليه وآله ، بل على الأئمة عليهم السلام أيضاً ، فإنهم أيضاً مبيّنون للشرع ، وهو باطل إجماعاً ، فالملزوم
___________________________
(١) سورة المائدة : آية ، ٤٨ .
(٢) سورة الشورى : آية ، ١٣ .