وأمّا إذا وقع التعارض بينه وبين خبر آخر ، فالكلام يقع في مقامين :
الأوّل : فيما إذا كانا متساويين متكافئين لا مزية لأحدهما على الآخر أصلاً أو كانت وليست معتبرة .
الثاني : في أن الترجيح معتبر في تعارض قول النقلة أولا .
أمّا المقام الأوّل : فهو ليس عنواناً مستقلاً ، بل هو من جزئيات مسألة التعارض بين الطريقين الشاملة لما نحن فيه ، وللطرق إلى الأحكام الشرعية .
فنقول : إنّهم اختلفوا في أنه إذا تعارض الدليلان ، والحجتان بحيث لا يمنع من العمل بكليهما إلّا تعارضهما ، بمعنى أنّ وجوب العمل بكل واحد منهما مانع عنه في الآخر على أقوالٍ ثلاثة :
الأوّل : التوقف فيهما بالنسبة إلى إثبات مؤدى كل منهما بالخصوص ، والعمل بما تقتضي الاصول العملية ، مع عدم جواز الرجوع إلى الثالث .
الثاني : التخيير في إثبات الآثار من مؤداهما بالخصوص .
الثالث : التساقط ، وفرضهما كأن لم يكونا ، والرجوع إلى الأصول العملية ، والعمل على مقتضاها .
فنقول : إن ثبت اعتبارهما من باب حكم العقل من جهة دليل الانسداد من باب الحكومة ، فالحق التساقط ، لأن حكم العقل حينئذ منوط بوصف الظن الفعلي ، ومع التعارض لا يحصل الظن من شيء منهما مع تكافئهما ، سواء كان من جهة انسداد باب العلم بالأحكام الشرعية ، أو بالطرق الشرعية ، أو بخصوص اللغات . وإن كان من جهة حكم العقل من باب الكشف ، فيكون الحكم ما سنذكر ، على فرض اعتبارهما من باب الدليل الخاص ، ومن باب الظن النوعي ، فإن العقل يكشف عن أن الشارع جعل قول النقلة حجة من باب الظن النوعي . وإن ثبت اعتبارهما من باب الدليل الخاص ، فإن كان اعتبارهما حينئذٍ من باب الظن الشخصي الفعلي ، فالحق التساقط أيضاً ، لعدم حصوله من شيء منهما حينئذٍ . وإن كان من باب الظن النوعي ، فالحق التوقف في إثبات شيء من مؤداهما بالخصوص ، والرجوع إلى الاصول العملية في مؤداهما . وأمّا بالنسبة إلى الثالث فهما دليل على نفيه ، لا يجوز الرجوع إلى الاصول العملية المثبتة له .
ووجه ذلك : أنّ المفروض قيام الدليل
الخاص على اعتبارها ، وأنّه لا مانع