منهما دليلاً على مؤداه ، فيكونان واردين على أصالة عدم الاشتراك .
التنبيه الثاني : أنّه على القول بحجية قول أهل اللغة كما هو المشهور ، اشترطوا لها أن لا يكون إخباره عن حدسه . واجتهاده ، بل لا بد أن يكون طريق تحمّل نقله للغة بالحس لا غير ، فلذا ردّوا قول أبي عبيدة في فهمه من الحديث أن عندي غير الواحد لا يحلّ عقوبته ، بأن فهمه ذلك من باب اجتهاده ، وحدسه ، ويتوجه على ذلك إشكالان :
أوّلهما : أنّ الفرق والتمييز بين الإخبار عن حدس واجتهاد ، وبينه عن حس واضح في الأحكام الشرعية ، فلا ريب أنّه لا يعرف أحد ـ من اللغويين والناقلين ـ الواضع ، فكيف بمعرفتهم الوضع فيه بطريق الحس ، لوقوع الاختلاف في أنه هو الله تعالى ، أو غيره ، فلا يكون قول أحدٍ من اللغويين حجة ؛ لفقد هذا الشرط في الكل ، فإن أقوى نحو تحمُّلهم للنقل ، انما هو تبادر المعنى الذي ينقلونه من اللفظ عند العرف ، وأهل اللغة ، وهو ليس من الطرق الحسية .
وكيف كان فلو جعل الحس عبارة عن ذلك ، وجعل خلافه اجتهاداً ، فلا ريب أنّ إخبار كلهم بطريق الاجتهاد ، فيسقط قول كلهم عن الحجية .
وثانيهما : أنه إذا اشتبه حال الناقل ، ولم يعلم أنّ إخباره عن حسه ، أو عن اجتهاده ، وحدسه ، فحينئذ يشكّ في شرط الحجية الذي هو كون إخباره عن الحس ، فذلك يوجب الشك في الحجية ، لأن الشك في الشرط مستلزم للشك في المشروط ، فلا بد من التوقف ، فيسقط قوله عن الاعتبار .
هذا ، ثم إنّ بعض الأجلة تفصى عن الإشكال الثاني ، بأن الناقل إن كان من اللغويين ، ومن أهل الخبرة ، فالأصل أن إخباره عن حس . وإن كان من العلماء ، فالأصل في إخباره أن يكون عن حدسه ، واجتهاده .
وفيه : أنه ما معنى ذلك الأصل ؟ فإن أراد به الغلبة ، فيتوجّه عليه المنع صغرى ، وكبرى ، فنمنع أوّلاً أصل الغلبة ، وثانياً اعتبارها .
والتحقيق في دفع الإشكالين أن يقال : إن الامور الحسية ليست منحصرة بما تدرك أنفسها بأحدى الحواس الخمسة ، بل أعم منهما بحيث تعمّ الامور التي ليست هي بأنفسها كذلك ، لكن لها آثار ومسببات كذلك .
فنقول : إنّ الوضع لما كان هو العلقة
الحاصلة بين اللفظ والمعنى ، فهو ليس مما يدرك نفسه بالحس ، لكن له أثر ، ومسبب يدرك بالحس ، وهو تبادر المعنى من اللفظ