ثم اعلم ان كلَّ ما ذكرنا من الفروق الحكمية التكليفية او الوضعية ، بين قولي الصحيح والأعم إنّما هي مبنية على تقدير بقاء الفرق الموضوعي بينهما بالإجمال والبيان ، وأما بالنظر إلى زوال ذلك الفرق الموضوعي بينهما بواسطة عروض الموانع الخارجية على بيانها وإطلاقها ، فلا شبهة في انتفاء الفروق الحكمية المذكورة طراً .
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الموانع التي ادعى طروها على اعتبار الإطلاق المبتني على القول بالأعم إذا أحرز صدق الاسم بالدليل الاجتهادي لا الفقاهتي كثيرة ، إلا أن المرضي منها هو ما ارتضاه الاُستاد تبعا لأساتيذه الأعلام ، من ورود إطلاق ألفاظ العبادات الواردة في الكتاب والسنة مورد حكم آخر ، من بيان تشريع أصل العبادة ، كقوله : ( أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) (١) ( وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) (٢) و ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ) (٣) ، ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) (٤) نظير قول الطبيب للمريض : إشرب الدواء غداً ، او من بيان أصل ما يقتضيه الفعل من الخواص ، والترك من المضار ، كقوله صلّى الله عليه وآله ( الصلاة عمود الدين ) (٥) ، ( وأن صلاة فريضة خير من عشرين أو ألف حجة ) (٦) ( ومن تركها فهو كذا وكذا ) (٧) نظير توصيف الطبيب خواص الدواء إما قبل بيانه له حتى يكون إشارة إلى ما يفصله له حين العمل ، وإما بعد البيان حتى يكون إشارة إلى المعهود المبين له في غير هذا الخطاب .
فالأوامر الواردة بالعبادة في الكتاب والسنة ، ليست في مقام بيان الإطلاق وكيفية المأمور به ، بل في مقام بيان حكم آخر من أحد الوجهين المذكورين
___________________________
(١) البقرة ٢ : ٤٣ .
(٢) الاعراف ٧ : ١٩٩ .
(٣) المائدة ٥ : ٦ .
(٤) آل عمران ٣ : ٩٧ .
(٥) غوالي اللاۤلى ١ : ٣٢٢ الحديث ٥٥ .
(٦) وسائل الشيعة ٣ : ٢٧ الحديث ٨ ، ٩ .
(٧) وسائل الشيعة ٣ : ٢٧ باب ( ١١ ) من ابواب اعداد الفرائض الاحاديث .