تلك الوجوه فادعوا التّبادر ، وصحة السلب عن الفاسدة .
واما ما يمكن به تخطئة القائلين بالتفصيل فهو أنهم نظراً إلى دليلهم الآتي ـ في آخر أدلة الأقوال ـ قطعوا بوضعها للصحيحة بالنسبة إلى الأجزاء ، وللأعم بالنسبة إلى الشرائط ، فلما ارتكز في أذهانهم ذلك ، فادعوا التبادر ، وصحة السلب وعدمها لذلك .
وكيف كان فلا فائدة مهمة في التعرض لذلك بل المهم تحقيق أن أيهم مصيبون في دعواهم ، وأن الحق من الأقوال ماذا ؟
فنقول : الذي يشهد به المنصف المتأمل بعد تخلية الذهن عن شوائب الأوهام وغواشي الشبهات وإخراجه إلى النور من الظلمات ، هو أنه لا يتبادر من تلك الألفاظ مجردة عن القرينة إلا ما أمر الله تعالى به ، أعني ما يكون موضوعا لأمر الله تعالى وطلبه ، بحيث لا نقصان فيه ، ولا حالة منتظرة فيه إلى أمر آخر في توجه الأمر إليه من شرط او جزء ، وأنه يصح سلبها حقيقة عن فاقدة بعض الأجزاء ، او الشرائط المعتبرة في الفعل قبل تعلق الأمر به ، وبعبارة اُخرى : الشّرائط الراجعة إلى قيود موضوع الأمر ، لا المعتبرة في تحققه الخارجي (١) .
نجد ذلك من أنفسنا ، ومن الرجوع إلى عرف المتشرِعة أيضاً ؛ فإنا نراهم أن المتبادر عندهم ما ذكرنا ، وأن أنفسهم لا تمتنع عن نفي تلك الأسامي عن فاقدة بعض الأجزاء ، أو شرطٍ من الشرائط المذكورة .
فحينئذ إن عَنى القائلون بالصحيح تبادر ما ذكرنا ، وأن مرادهم بالصحيح ذلك ، كما احتملناه في أوّل المسألة ، بل استظهرناه فنعم الوفاق ، وإن عنوا تبادر عنوان الموافق للأمر ، كما هو أبعد الاحتمالين ، فمع ما عرفت من امتناع جعل ذلك موضوعاً له لتلك الألفاظ ، يكذبه العيان والوجدان (٢) .
فمن هنا ظهر ضعف القولين الآخرين .
___________________________
(١) فيخرج بذلك مثل نيّة القربة حيث أنّها من الشرائط لكنّها ليست ممّا اعتبرت في موضوع الأمر ، لامتناع اعتبارها كما عرفت ، فتكون هي من شرائط تحقّق المأمور به فعلاً في الخارج لا مِن شرائط تحقّق مفهومه . لمحرّره عفا الله عنه .
(٢) أمّا العيان فمن العرف ، وأمّا الوجدان فمن أنفسنٰا .