اللازمة للاستعمال ـ على تقدير الاشتراك المعنوي ـ ليست بأقل منها على تقدير الحقيقة والمجاز ، بل مساوية لها ، لأنّه كما لا بدّ في المجاز من تنزيل ذهن السامع عن إرادة الحقيقة بمرتبتين ، بان ينبّه أوّلاً أنّ الحقيقة ليست بمرادة ، وثانياً على أنّ المراد أيّ المعاني المخالفة لها ، فلا بد فيه من قرينتين : إحداهما للتنبيه على المرتبة الاولى ، وثانيتهما : للتنبيه على المرتبة الثانية ، وقد يكتفي فيه للتنبيه على الأمرين بقرينة واحدة ، فكذلك لا بد في الاشتراك المعنوي من تنزيله بمرتبتين أيضاً لأن اللّفظ موضوع للماهية المعراة عن ملاحظة خصوصية من الأفراد ، فهو ظاهر فيها ، فإذا أريد منه الفرد الخاص ، فلا بد من التنبيه على أن المراد ليس هي بما هي ، بل حصّةٌ [ مّا ] وحصة [ ما ] فرد منها ، ثم التنبيه على تعيين تلك الحصة المرادة من اللّفظ ، فلا بد للتّنبيه على المرتبة الاولى من قرينة ، نظير القرينة الصارفة في المجاز ، وللتنبيه على الثانية من قرينة معينة نظير القرينة المعينة في المجاز ، وقد يكتفى فيه أيضاً بقرينة واحدة كما في المجاز .
فالحاصل أنّه لا مزية للمجاز على الاشتراك المعنوي من وجه ، إذ كل منهما يحتاج إلى قرينتين غالباً ، وقد يكتفي في كل منهما بقرينة واحدة ، فليس الاشتراك المعنوي أقل حادثا من المجاز .
ثم إنّ هاهنا تفصيلين في اصالة الاشتراك المعنوي وعدمها :
أحدهما : لبعض أكابر سادات علمائنا رضوان الله عليهم ، ولعلّه إمّا السيد البغدادي ، او السيد محمد صاحب المفاتيح قدس سرهما ، وهو أن اللّفظ إن علم استعماله في القدر المشترك ، فالأصل هو الاشتراك المعنوي ، وإلّا فالأصل كونه حقيقة في أحد المعنيين ، ومجازاً في الآخر ، حذراً من المجاز بلا حقيقة .
وفيه : أنّه مع تسليم الكبرى ، لا يجدي التفصيل المذكور في شيء من الموارد المشكوكة ، لعدم إمكان التمييز في صغرياتها ، إذ كلما كان المراد واحداً من الخصوصيتين ، فيحتمل فيه استعمال اللّفظ في القدر المشترك ، وإرادة الخصوصية من القرينة الخارجية بأن يكون من باب دالين ومدلولين ومطلوب واحد ، ويحتمل فيه استعماله في نفس الخصوصية وارادتها من حاقّ اللفظ .
وكيف كان ، فلا يخفى أنّه فرق واضح بين
المجازات المباينة لحقايقها ، وبين التي هي من أفراد الحقيقة ، كما فيما نحن فيه ، فإنّ سبيل إرادة المجاز منحصر في الاولى
في استعمال اللفظ في نفس المعنى المجازي ، وأمّا الثانية فلا ، لإمكان استعماله في
نفس