يكن حقيقة في كلّ منهما لزم المجاز بلا حقيقة الدّائمي ، لأنّ المفروض عدم العلاقة المجوزة للاستعمال المجازي بين المعنيين ، فلا يجوز كون أحدهما مجازاً للآخر ، واستعماله في ثالث غير معلوم ، فينفى بالأصل ، فلا بدّ من كونه حقيقة في كل منهما حذراً من المجاز بلا حقيقة الأبدي ، لما قد عرفت سابقاً ، من أنّ المجاز بلا حقيقة الذي نجوزه إنّما هو بالنّظر إلى بدو الاستعمال ، لا غير .
وأمّا إذا كانا من قبيل المتباينين وبينهما علاقة ، فهي إمّا مجوزة لاستعمال اللفظ في أحدهما خاصة مجازاً ، كما في الماء والميزاب حيث إنّ بينهما علاقة المجاورة ، لكنها مجوزة لاستعمال الميزاب في الماء مجازاً دون العكس ، وإمّا مجوزة لاستعمال اللفظ مجازاً باعتبار فرض كونه موضوعاً لواحد منهما في واحد منهما ، بمعنى أنّه يصحّ بسببها الاستعمال في هذا المعنى مجازاً على فرض وضعه للمعنى الآخر ، وبالعكس .
أمّا الصورة الاولى : وهي ما إذا كانت العلاقة مصححة للمجاز من جانب واحد فالأقوال فيها ثلاثة : الاشتراك ، وهو للسيد قدس سره واتباعه ، الحقيقة والمجاز وهو للمشهور ، التوقف وهو للآخرين ، ومع ملاحظة قول ابن جني تصير أربعة ، لكنه لمّا كان جارياً في جميع صور مسألة الاستعمال ، فنُفرّد البحث فيه بالخصوص في آخر المسألة ونذكره تفصيلا بما يرد عليه من الإشكال ، إن شاء الله .
فإذا عرفت الأقوال : فاعلم أنّ تحقيق الحال فيها ، من وجوه ثلاثة :
الأوّل : بالنظر إلى الاستعمال ، كما هو المقصود الأصلي ، ومحل إن قيل أو يقال بين السيد والمشهور .
الثاني : بالنظر إلى الاصول بعد فرض عدم كون الاستعمال دليلاً .
الثالث : بالنظر إلى قاعدة الأخذ بالمتيقن بعد فرض عدم جريان الاصول ، او سقوطها بالتّعارض . فلنقدم الكلام بالنسبة إلى الوجهين الاخيرين لقلته فيهما بالنسبة إلى الأوّل .
فنقول : إن الذي يمكن أن يقال للمشهور
بالنّظر إلى الاصول : إن القرينة في الصورة المفروضة لا بدّ منها مطلقاً ، إذ على تقدير الاشتراك لا بدّ من قرينة
معيّنة ، وعلى تقدير المجاز لا بد من صٰارفة لا محالة ، فنفس القرينة متيقنة الوجود بحكم
الفرض ، لا يجدي فيها الأصل ، ولا ريب أنّ تلك القرينة المتيقنة الوجود يلزمها أمران
حادثان مطلقا : أحدهما : ملاحظتها ، والآخر الاعتماد عليها ، فلا يجوز التمسك على أحد
التقديرين