تنصيص بالمشتركات حيث أنّ المتبادر منها جميع المعاني دفعة ، فيصدق على كل واحد أنه تبادر غيره إذا كان معنى التبادر انتقال الذهن او حضور المعنى .
اللّهم إلّا أن يجعل بمعنى التقدم ، فيرتفع الإشكال ، إذ المفروض حضور جميع المعاني دفعةً ، فلا يصدق حينئذ على كل واحد أنّه سبق عليه غيره ، إلّا أنّه لا بد حينئذ من التصرف في الغير في علامة التبادر بجعله عبارة عن غير الموضوع لا مطلق الغير ، وإلّا لما صدق على كلّ واحد من معاني المشترك أنّه سبق على غيره بقول مطلق ، فافهم .
ثم إنّ الآمدي قد أورد في الاحكام (١) على طرد ما صار إليه العضدي من علامة الوضع بمجازات المشترك لصدقها عليها ، مع أنها ليست بحقائق فيلزم تخلف العلامة عن معلومها ، إذ لا ريب أنّ معاني المشترك لا تتبادر من اللفظ ، فيصدق على مجازيته أنّها لا يتبادر غيرها .
وأجاب عنه في المنية : بمنع عدم تبادر معاني المشترك أصلاً ، بل يتبادر منه أحد المعاني عند الإطلاق ، فلا يصدق على مجازيته أنّها لا يتبادر غيرها (٢) .
وفيه أنّ هذا التزام بوضع المشترك للقدر المشترك بين معانيه المتفاوتة ، فيكون مشككاً ، لا مشتركاً وهو خلاف الفرض .
والتّحقيق في الجواب : أنّه لا يخفى أنّ دلالات الألفاظ إنما هي بسبب الوضع وهو سبب لها ، فإذا فرض تعلقه بمعان متعددة ، كما في المشترك ، فيتبادر منه عند الإطلاق جميع تلك المعاني ، إلّا أنّ الإرادة ، لمّا لم تتعلق إلّا بواحد منها بناء على عدم جواز استعماله في أكثر من معنى ، فيكون مورد تلك الإرادة وهو المعنى المراد مجملاً ، وإلّا
___________________________
(١) الاحكام : ٣٠ ـ ٢٩ .
(٢) يستفاد ذلك من المنية في موردين :
الاوّل في بحث الاشتراك ، وإليك لفظه : ونمنع أيضاً من عدم فهم شىء أصلا من اللفظ المشترك حال تجرده عن القرينة بحيث يكون اطلاقه عبثا فانّ السامع يفهم أنّ المراد بذلك اللفظ أحد معانيه وان لم يفهم المعنى المراد منها مفصّلاً .
الثاني في البحث الثالث ، وهذا لفظه : وعن الثالث المنع من لزوم التحكّم والترجيح من غير مرجّح او تعطيل اللفظ لو لم يحمل اللفظ على جميع معانيه لجواز حمله على أحد تلك المعاني لا بعينه وليس ذلك تحكّماً لأنّ اللفظ دالّ عليه لكونه لازماً لكلّ معنى من معانيه ولا ترجيحاً من غير مرجّح لأن لهذا المعنىٰ أعني أحد تلك المعاني لا بعينه رجحاناً على غيره لكونه متيقّن الإرادة دون غيره من المعاني فإنّ احتمال ارادته وعدمها متحقّق .