فإنّ الصّارفة أقوى من المعيّنة .
وفي الأوّلين من الوجوه نظر ، أمّا الأوّل : فلأن المانع ـ عن مقتضى الوضع ـ ليس خصوص هذا الموجود ـ أعني الشهرة ـ حتى يقال بعدم جريان الأصل فيه ، ولا في صفته ، بل المانع له ، إنّما هو مطلق القرينة ، ونوعها ، وهو مشكوك ، فيجري فيه الأصل ، أعني استصحاب عدمه الأزليّ .
هذا مضافاً إلى أنّه مع تسليمه لا ينهض جواباً عن أبي يونس ؛ اللهم إلّا أنْ يكون المراد به ما يؤول إلى الوجه الثالث (١) .
أقول : الاولى العدول عن الوجه الثالث ـ أيضاً ـ إلى وجه آخر ، وهو أَنّه قد ثبت بعنوان الكلّية ، أنّه إذا اكتنف اللّفظ بشيء من حال ، أو مقال يصلح ذلك الشيء لكونه قرينة صارفة ، بمعنى أنّه لو اتكل المتكلم عليه لا يلام ، ولا يعدّ مقصراً في تفهيم المراد عند العرف ، فيصير ذلك اللّفظ مجملاً ، ولا يبقىٰ له بعد ذلك ظهور أصلاً .
لا في المعنىٰ الحقيقي ، لتوقفه علىٰ نفي احتمال القرينة بالأصل ، ولا ريب أنّ العقلاء ، وأهل العرف لا يعتنون بأصالة عدم القرينة حينئذ ، لعدم حصول الظن ـ ولو نوعاً ـ بعدم القرينة في مثل المقام .
ولا في المعنى المجازي ، لعدم العلم باعتماد المتكلم على مثل هذه الأشياء ، وهي ليست بنفسها في قوة يوجب بسببها صرف اللفظ إلى المعنى المجازي ، فلا بد من التوقف .
هذه قاعدة كلية ، ولا ريب أنّ المجاز المشهور من أفراد تلك القاعدة ، ومندرج فيها ، لأنّ الشهرة المكتنفة باللّفظ تصلح لأن تكون قرينة صارفة .
هذا ، ثم إنّه قد يدعى كون الجنس المعرف المسبوق بذكر فرد من ذلك الجنس من أفراد تلك القاعدة ، كما في باب الاستصحاب في صحيحة زرارة في قوله عليه السلام ( لا تنقض اليقين أبداً بالشّك ) حيث أنّه مسبوق بقوله عليه السلام ( وإلّا فانه على يقين من وضوئه ) وهكذا في نظائر تلك الصحيحة .
وفيه أنّه اعتبر في القاعدة المذكورة إحراز الصلاحية ، ولا يخفى أنّها ، أي الصلاحية فيما ذكره غير معلومة فتأمّل .
وأمّا قول المفصّل المذكور ، فتفصيله : أنّه ـ قدّس سرّه ـ قد قسّم المجاز المشهور إلى خمسة أقسام ، فقال : إنّ شهرة استعمال اللّفظ في المعنى المجازي على مراتب :
___________________________
(١) احتمال سقوط النظر في الوجه الثاني أكيد .