ووجه هذه المسامحة : أنّ تبادر اللازم تابع لتبادر الملزوم ، الّذي هو المعنى المطابقي ، فإذا حصل لا ينفك منه تبادر اللازم ، فهو يرجع بالأخرة إلى اتّحاده مع تبادر الملزوم في الوجود ، فإذا تبادر الملزوم بذاته وحده ، فهو يكشف عن أمرين :
أحدهما : أنّ المعنى المطابقي هذا المعنى بهذا الحد .
وثانيهما : أنّ هذا المعنى الآخر لازم لذلك المعنى المطابقي ، فهو يغني عن إعمال تبادر اللازم وحده .
والحاصل : أنّ تبادر المعنى المطابقي بحدوده ، لما كان مغنياً عن تبادر اللازم في إحراز الحدّ ، فلذا عبّر بعضهم بأنّ التبادر علامة للحقيقة . فافهم .
التنبيه الثالث : قد يمنع عن كون التبادر علامة للوضع ـ في بعض الموارد ـ بكونه إطلاقيّاً ، أو باحتمال كونه إطلاقيّاً ، فلا بدّ حينئذ من ذكر أمرين :
أحدهما : في بيان معنى التّبادر الإطلاقي .
وثانيهما : في التّبادر الوضعي عند اشتباه الحال .
فلنقدّم الكلام في الأمر الأوّل .
فنقول : إنّ للتّبادر الإطلاقي إطلاقات أربعة :
الأوّل : تبادر المعنى بسبب كثرة استعمال اللفظ فيه مجازاً ، أو حقيقةً عند تجرده عن القرينة من غير جهة الشهرة ، فالأوّل كما في المجاز المشهور ، على قول أبي يونس ، وعلى ما يظهر من الشيخ (١) محمد تقي ، كما عرفت سابقاً ، وكما في استعمال اللّفظ الموضوع للكلّي في فرد منه ، كما في المطلقات بالنسبة إلى الأفراد الشائعة ـ على أحد الوجوه ـ في انصرافها إليها ، على القول بالانصراف ، وإلّا فقد عرفت المنع سابقاً من انصرافها إليها ، وأنّ حملها عليها إنّما هو من باب الأخذ بالمتيقن ، لا من باب ظهور اللفظ فيها ، لأنّ الاستعمال المجازي المحفوف بالقرينة المتّصلة لا يمكن أن يكون سبباً لذلك ، سيّما مع الاعتراف ببقاء العلقة الوضعيّة بين اللّفظ وبين المعنى الأصلي الكلّي ، بل نمنع من جواز استعمال المطلق في الفرد مجازاً ، لما قد عرفت من منع استعمال المشترك في أحد معانيه كذلك ، من أنّ الاستعمال المجازي مبنيّ على ملاحظة إفادة النّكات البديعية ، التي منها حركة ذهن السّامع ، وانتقاله من المعنى الأصلي إلى الفرعي ، ولا يخفى أنّها لا تحصل هنا ؛ لأنّ المطلق إذا وقع في حيّز الحكم ، فلا يكون المراد به نفس الطّبيعة
___________________________
(١) هداية المسترشدين : ٤٦ .