دليل من الشارع على إجزائه واكتفائه به عن الواقع ، لمنافاته لاعتبار تلك الطرق والأمارات من باب الطريقية المحضة ، ولاعتبار تلك الأصول مجرّد كونها أحكاما ظاهرية مغيّاة بعدم انكشاف الخلاف ، ولدليل اعتبار ذلك الأمر المفروض عدم الإتيان به مع المأمور به على وجه الإطلاق ، فلا يمكن الجمع بينه وبين بقاء أدلّة اعتبار الطرق والأمارات والأصول على ظاهرها ، وكذا بينه وبين بقاء دليل الواقع المثبت لجزئيّة ما لم يؤت به ، أو شرطيته على إطلاقه فلا بدّ حينئذ ـ إن لم يمكن طرح ذلك الدليل ـ من الجمع بينه وبين سائر الأدلّة بارتكاب خلاف ظاهر في بعضها.
__________________
بأمر جديد فلا إشكال ولا محذور أصلا ، لما قد عرفت سابقا من أنّ إمكان التعبّد بالقضاء بعد امتثال تلك الأوامر الظاهريّة في الوقت كان محتاجا إلى التوجيه بإمكان تبعّض مصلحة الفعل وحصول بعض منها في خارج الوقت أيضا ، فلا يجب على الشارع تداركها جميعا في الوقت ، فيمكن التعبّد بالفعل ثانيا في خارج الوقت تحصيلا لذلك البعض الفائت من المصلحة ، وأمّا إمكان الإجزاء ـ بمعنى كفاية المأتيّ به على ذلك الوجه عن الواقع ولو على وجه التدارك فلا غبار عليه بوجه ـ فإنّ غاية ما أثبتنا أنّ تلك الأوامر في تلك الحال لا تقتضي امتناع التعبّد بالواقع في خارج الوقت ، وأمّا اقتضاؤها لامتناع الاكتفاء بمتعلّقاتها على الوجه المذكور ـ أعني على وجه التدارك بأن يكون الشارع قد تدارك جميع مصلحة الواقع في الوقت مع إمكان تحصيل بعضها في خارجه من باب التفضل ، أو بأن يكون قد تداركها جميعا في الوقت من باب اللزوم بأن يكون المصلحة بتمامها متقوّمة بالوقت بحيث لا يحصل منها شيء في خارجه ـ فكلاّ ، ثمّ كلاّ.
ومن المعلوم أنّ المصلحة المتداركة كالحاصلة ، فمعها لا يكون الإجزاء مخالفا للقاعدة ، لعدم استلزامه حينئذ التصرّف في دليل الواقع أو في أدلّة اعتبار الطرق والأمارات والأصول بوجه ، بل يكون عدم الإجزاء حينئذ مخالفا للقاعدة كما لا يخفى ، فإنّ الأمر بتحصيل المصلحة المتداركة ـ كالأمر بتحصيل المصلحة الحاصلة ـ طلب للحاصل ، فافهم. لمحرّره عفا الله عنه ، وبدّل سيّئاته حسنات بجاه نبيّه وخيرته من خلقه محمّد وآله البررة الهداة صلواته عليه وعليهم إلى يوم الميقات.