ثمّ إنّه هل يمكن اجتماع جهتي الإرشاد والتكليف في طلب واحد ، أو لا؟
الحقّ التفصيل : بأنّه إن كان متعلّق ذلك الطلب أمرا واحدا يمتنع (١) الاجتماع لأدائه إلى التناقض في نفس الآمر ، فإنّ حيثية الإرشاد ـ كما عرفت ـ إنّما هي أن لا يدخل الآمر نفسه في ذلك الطلب ، ولا يكون هو باقتضائه وميله ، وحيثية التكليف إنّما هي أن يدخل نفسه فيه ، ويطلب من اقتضاء نفسه ، فلا يعقل أن يكون طالبا لشيء واحد من هاتين الجهتين المتناقضتين ، وإن كان أمورا متعدّدة بحيث تعلّق بكلّ منها على سبيل الاستقلال ، كما إذا تعلّق بعامّ ، فيجوز الاجتماع حينئذ ، لأنّ هذا الطلب الواحد إنّما ينحلّ حينئذ إلى طلبات متعدّدة ، كلّ واحد منها متعلّق بشيء من حيثية ، لأنّه حينئذ أوجد طلبات متعدّدة بالصيغة بإطلاق واحد ، فهي موجودات بوجود واحد.
ثم إنّه بعد ما بنينا على اتّحاد حقيقة الإرشاد مع الوجوب والندب ، وأنّها ليس إلاّ الطلب ، فهل الصيغة إذا أطلقت مجرّدة عن القرينة ظاهرة في القدر المشترك بينها ـ وهو مطلق الطلب ـ أو في الإرشاد ، أو في غير الإرشاد ، أو مجملة؟
الحقّ هو الثالث ، لكن هذا الظهور ليس مستندا إلى نفس اللفظ ، فإنّه موضوع لمطلق الطلب ، ويكون إطلاق اللفظ في كلّ من الإرشاد وغيره حقيقة لذلك ، بل مستند إلى حال الطالب ، فإن الظاهر من حاله أنّه إنّما يطلب من اقتضاء نفسه ، وهذا الظهور ليس مستنده الغلبة ، لأنّا لو فرضنا انه لم يخلق بعد إلاّ واحد ـ ولم يطلب هذا بعد ، فأمر حينئذ بشيء وكان هذا الطلب أوّل طلب صادر منه ـ يظهر من حاله ذلك ، نعم الغلبة أيضا موجودة فهي مؤكّدة للظهور
__________________
(١) في الأصل : فيمتنع ...