المذكور.
ويؤيّد الأخذ بهذا الظهور أصالة عدم تنزيل الطالب نفسه منزلة الغير ، كما هو الحال في الطلب الإرشادي ، فإنّ طلبه من اقتضاء ما متيقّن على التقديرين ، إلاّ أنّه على تقدير الإرشاد يحتاج إلى التنزيل (١) المذكور أيضا ، وهو أمر زائد مشكوك الحدوث ، فيبنى على عدمه (٢).
ويعيّن الحمل ـ أي حمل الصيغة على الطلب الناشئ من اقتضاء نفس الطالب ـ بناء العقلاء طرّا عليه ، فإنّ بناءهم على أنّه إذا أمر مولى عبده بشيء من غير قرينة على أنّ هذا الطلب من قبل نفسه ، فيجعلون هذا حجّة على العبد ومصحّحا لعقابه لو خالفه معتذرا : بأنّي احتملت أن يكون المولى قد طلب منّي على أنّه رأى صلاحي في هذا الفعل ، فطلب من اقتضاء المصلحة لا من اقتضاء نفسه ، ولا يسمعون منه هذا العذر ، بل يذمّونه حينئذ ، بل يسفّهونه ويجوّزون عقابه من المولى ، وهو الحجّة على تعيين الحمل المذكور.
نعم يبقى أنّ بناءهم هل هو من باب الأصل المذكور ، أو من باب ظهور الحال ، أو الغلبة؟ كلّ محتمل ، والأظهر الثاني.
وكيف كان ، فتعيين منشأ عملهم ليس بمهمّ لنا ، وإنّما الحجّة عملهم ، وهو ثابت ، وظهور الحال هنا نظير ظهور الحال في سائر الأفعال القابلة للنيابة ، فإنّ
__________________
(١) وحاصل التنزيل : أنّه لما كان الشخص طالبا لنفع نفسه فمتى علم به طلبه ، فهذا الشخص الآمر إرشادا ينزّل نفسه منزلة ذلك الشخص ، فيطلب منه فعل ما فيه مصلحة له. لمحرّره عفا الله عنه.
(٢) اعلم أنّ كلّ ما ذكرنا في الأمر ـ بالنسبة إلى الإرشاد والوجوب والندب ـ جار في النهي أيضا بعينه بالنسبة إلى إرادة الإرشاد منه والحرمة والكراهة ، فإنّ حقيقة النهي أيضا هو المنع لا غير ، وهو موجود في الإرشاد أيضا ، فيتّحد حقيقة مع الحرمة والكراهة إلاّ أنّه أيضا كالأمر عند الإطلاق ظاهر في كون المنع من كراهة نفس الناهي والحال في الموارد الدالّة على المنع نظير الحال في الدلالة على الطلب بعينها ، فتدبّر. لمحرّره عفا الله عنه.