نعم ، الفرق بين المقام وبين المطلقات أن الأمر المطلق إذا كان في مقام البيان إنما يحمل على أحد فردي طبيعة الطلب خاصة بخلاف المطلقات ، حيث إنّها تحمل حينئذ على العموم بالنسبة إلى جميع أفراد الطبيعة إمّا بدلا أو استغراقا على حسب اختلاف المقامات. فافهم.
الثاني (١) ـ قد أشرنا سابقا إلى أنّه يمتنع وجوب المقدّمة على سبيل التنجّز والفعليّة قبل وجوب ذيها كذلك ، فنقول :
إنّ الدليل على ذلك ـ كما مرّت الإشارة إليه ـ أنّ وجوب المقدّمة تابع لوجوب ذيها ذاتا وصفة ، بمعنى أنّه إن لم يجب مطلقا لم يجب هي كذلك ، وإن وجب على وجه مخصوص فتجب هي حينئذ كذلك ، لأنّ وجوبها معلول من وجوبه ذاتا وصفة ، فلا يعقل وجوبها ـ ولو في الجملة ـ بدون وجوبه أصلا ، لأنّه ينافي توقّف وجوبها على وجوبه ذاتا ، وكذا لا يعقل وجوبها على صفة مخصوصة مخالفة لصفة وجوبه ، لأنه ينافي توقف صفة وجوبها على صفة وجوبه ، فلا يعقل وجوبها على سبيل الإطلاق والتنجّز ، مع كون وجوبه مشروطا لم يتنجّز بعد ، كما أنه لا يعقل وجوبها على نحو الاشتراط مع وجوبه على سبيل الإطلاق والتنجّز.
هذا بناء على القول بوجوب المقدّمة عقلا.
وأما على القول بعدمه فالحقّ ـ أيضا ـ امتناع وجوبها قبل وجوب ذيها ولو بخطاب أصلي مستقلّ ، فإنّ أصالة الخطاب لا تجدي في شيء أصلا ، ضرورة أنّ الأمر بالمقدّمة سواء كان من العقل أو بخطاب أصليّ من الشارع انما هو غيري البتة ، ولا يعقل الأمر الغيري بشيء قبل وجوب ذلك الغير ، ضرورة أنّ الدّاعي إلى الأمر الغيري إنّما هو الحبّ الحتمي بحصول ذلك الغير وعدم الرّضا بتركه ، فإذ ليس فليس.
__________________
(١) أي ( التنبيه الثاني ) على ما في هامش المخطوطة.