ومن هنا تبيّن الفرق بين صورة الشك والتردّد في كون الشيء واجبا نفسيا أو غيريا وبين صورة العلم بكونه واجبا من جهتين ، فإنّ الأمر من كل واحد منهما محرز ، فيكون الاقتصار على الامتثال من تلك الجهة محقّقا لوقوع الفعل على وجه الطاعة قطعا.
فإن قيل : إنه كما يجب مراعاة جهة الغيرية وامتثالها كذلك يجب مراعاة جهة النفسيّة وامتثالها ، وهاتان الجهتان متضادّتان لا يمكن اجتماعهما في القصد ، فلا يمكن الجمع بين الامتثالين في إيجاد واحد للفعل ، بل يجب تارة إيجاده بعنوان كونه واجبا نفسيا ، وأخرى بعنوان كونه غيريا.
قلنا : إنّ المطلوبية نفسا ليست بشرط عدم الغير ، بل إنّما هي لا بشرط ، فلا ينافي قصد الغير أيضا ، وإلاّ لما جاز القصد إلى فعل واجب نفسيّ آخر فيما بعد حين الاشتغال بواجب نفسي ، وهو باطل بالضرورة.
فإن قيل : إنّ مجرّد القصد إلى فعل الغير ليس محققا للامتثال الغيري ، بل إنّما يحقّقه إذا كان على وجه يكون هو المحرّك لإيجاد هذا الفعل ، وإلاّ لم يكن إيجاده إتيانا بعنوان المقدّمة من حيث المقدّمية ، وقد مرّ لزوم الإتيان به بهذا العنوان في مقام الامتثال ، فلا بدّ حينئذ أيضا من تكرار العمل كما مرّ.
قلنا : إنّ ما ذكر إنّما هو مسلّم في صورة العلم بكون ذلك مقدّمة لذلك الغير ، وأمّا في مقام الشكّ فيكفي مجرّد قصد الإتيان به أيضا.
أقول : وللنفس في ذلك الأمر تأمّل وتزلزل ، فالأحوط هو التكرار على الوجه المذكور.
ثمّ إنّه يشكل الأمر في العبادات المردّدة بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين من الأجزاء على القول بالتمسّك بأصالة البراءة في الزائد المشكوك فيه ، فإن الأجزاء الباقية المتيقّنة مردّدة بين كونها واجبة نفسا وبين كونها واجبة مقدّمة