في الآية المتأخّرة عنه ـ وهي قوله تعالى : ( وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ) إلى قوله : ( إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ )(١) ـ ذلك أيضا ، فإنّ الإنفاق وقطع الأودية أيضا من المقدّمات الشاقّة على النّفس.
ثمّ إنّ الحال في مقدّمات الحرام هي الحال في مقدّمة الواجب ، فلا يترتّب على أنفسها (٢) عقاب ، وإنّما هو على نفس الحرام ، إلاّ أنّه يشكل الأمر بناء على ما ذكره الشهيد (٣) ـ قدّس سرّه ـ من حرمة نيّة المعصية ، إلاّ أنّه قال بثبوت العفو عن النيّة المجرّدة عن المعصية أو عمّا يراه الشخص معصية.
وكيف كان ، فهو قائل باستحقاق العقاب على نيّة المعصية وإن تجرّدت عنها ، إذ العفو لا ينفي الاستحقاق ، بل يثبته.
لكن يمكن أن يقال : بأن العزم على الحرام حرام نفسي كنفس الحرام ، فيكون العقاب عليه على طبق القاعدة ، فافهم ، ولعلّه سيجيء تتمّة الكلام فيه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
إيقاظ : لا شبهة أنّ الأمر الغيري ـ وجوبيّا كان أو ندبيّا ـ لا يقضي بالتعبّدية ورجحان الشيء في نفسه ، وإنّما يقضي بأنّ الغرض من الواجب الغيري أو الندب كذلك (٤) هو التوصّل به إلى ما هو مقدّمة له ، وأيضا مقتضى ما حقّقنا ـ من أنّ الواجب الغيري من جهة وجوبه الغيري لا يقع طاعة أصلا ، وإنّما هو من مقدّمات إطاعة ما هو مقدّمة له لا غير ، وكذلك الندب الغيري ـ امتناع كون الواجب والندب الغيريّين تعبديّين من جهة الوجوب والندب الغيريين ، إذ العبادة
__________________
(١) سورة البراءة : ١٢١.
(٢) كذا في الأصل ، والأقوم هكذا : عليها أنفسها ..
(٣) القواعد والفوائد : ١ ـ ١٠٧ ـ الفائدة الحادية والعشرون.
(٤) أي المندوب الغيري.