المخرج عنه ، ومجرّد وقوعها عقيب الحظر لا يصلح لذلك ، لجواز الانتقال من الحرمة إلى الوجوب ، بأن يكون شيء محرّما إلى زمان ، فيصير واجبا بعد ذلك الزمان ، كما يجوز الانتقال منه إلى الإباحة.
وكيف كان ، فجواز كلّ من الانتقالين على حدّ سواء في نظر العقل ، وليس النهي السابق منافيا للوجوب بعده ، حتّى يصلح وقوع الصيغة للصرف ، كما هو شأن القرينة في المجاز.
والحاصل : أنّ صلوحه للصرف مبني على امتناع الانتقال من أحد الضدّين إلى الآخر ، وهو باطل ، مع أنّه يجري بالنسبة إلى الإباحة أيضا ، فإنّها ضدّ للحرمة أيضا.
ثانيها : أنّه لا كلام عند القائل بكون الصيغة للوجوب أنّ ورودها عقيب الحظر العقلي لا ينافي حملها على الوجوب ، بل يحمل أوامر العبادات الواقعة بعده ـ حيث انّ العقل كان يحكم بالحظر ، نظرا إلى قبح التشريع ـ على الوجوب إلى أن يعلم المخرج عنه.
ثالثها : أنّه أمرت الحائض والنفساء بالصلاة بعد حظرها عليهما ، ولم يتوقّف أحد في حمل هذا الأمر على الوجوب ، وكذا الحال في قوله تعالى : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ) (١) وكذا قول المولى لعبده : ( اخرج من المحبس إلى المكتب ) ، بل لا يستفاد منها سيّما المثال الأخير إلاّ الوجوب كالأوامر الابتدائية.
هذا ، ولا يخفى ما في الكلّ من التأمّل بل المنع ، كما يظهر للمتأمّل.
أمّا الأوّل : فلأنّ مبنى القرينة الصارفة ليس على تنافي إرادة الحقيقة معها ، حتّى يدفع ما نحن فيه بأنّه لا منافاة ، بل المدار فيها على كونها بحيث
__________________
(١) التوبة : ٥.