المعنى في الضمير وإرادته من اللفظ ، واللازم لغير الغافل هو الأوّل ، والمعتبر في الاستعمال هو الثاني ، وهو غير لازم من البيان المذكور ، والاشتباه إنّما نشأ من الخلط بين الأمرين (١). انتهى.
وكيف كان ، فبهذا ظهر دفع غير الوجه الأوّل من جهة دعوى امتناع الاستعمال في القدر المشترك ، حيث إنّ مبنى ما ذكره صاحب المعالم ـ قدّس سرّه ـ إنّما هو امتناع الانفكاك في الذهن ، ومبنى الوجه الثاني إنّما هو امتناعه في الخارج ، وقد ظهر أنّه لا يقضي شيء منهما بالامتناع ، وأنّه يجوز إفادة القدر المشترك وحده بالصيغة ، غاية الأمر أنّه إذا تعلّق الغرض بإفادة إحدى الخصوصيّتين أيضا ـ بأن يكون غرض الآمر الطلب على وجه الوجوب أو الندب ، لا القدر المشترك وحده ـ يفيد الخصوصية بقرينة خارجية من لفظ آخر أو غير اللفظ ، فيكون إفادة الطلب الخاصّ بدالّين ، فكذا لو سلمنا امتناع إيجاد القدر المشترك وحده ، إذ غاية الأمر حينئذ أنّه يوجد الطّلب الشخصي المتفصّل بإحدى الخصوصيّتين بلفظين ، إذ لا يلزم من ذلك امتناع إيجاده بهما.
فأوّلا ـ بأنّه خلط بين المقامين فإنّ عدم الانفكاك في النّفس غير إرادة الملزوم وحده من اللفظ ، وقد عرفت منع الملازمة بينهما ، غاية الأمر أنّه يفاد الخصوصية من دالّ آخر ، كما يفاد خصوصيّة الابتداء بذكر البصرة ، وخصوصية الانتهاء بذكر الكوفة في قولك : ( سرت من البصرة إلى الكوفة ) ، ولو لزم إفادة المراد بجميع خصوصيّاته من لفظ واحد لزم التجوّز في جميع موارد إطلاق ألفاظ الكلّي الموضوعة للكلّيّات على أفرادها ، وفساد التالي غنيّ عن البيان.
__________________
(١) المعالم : هامش الصفحة : ٤٦ ، والمذكور أعلاه مضمون الحاشية المومى إليها.