بالنسبة إلى أبنائهم ، كما يمكن فيها هذه الطريقة فكذلك يمكن فيها العكس بأن يكون المجعول والصادر أوّلا هو البعث ، فان كان عن مصلحة قوية اقتصر عليه ، وان كان عن مصلحة ضعيفة أضاف إليه الترخيص في الترك ، ويكون الأول منشأ عقلائيا لاعتبار الوجوب ، والثاني منشأ عقلائيا لاعتبار الندب ، فيكونان جهتين اعتباريتين ، والمنشأ في الاعتبار الأول هو مجرد البعث والطلب ، والمنشأ في الثاني هو ذلك مع الاقتران بالترخيص المذكور.
وما هذا الاعتبار العقلائي إلاّ نظير اعتبارهم الملكية من الحيازة أو اعتبارهم الولاية من نصب من له النصب ، لا أنّ الوجوب منطبق على ذلك الطلب ومتحد معه انطباق الكلي الطبيعي على أفراده واتحاده معها. وعلى كل حال فليس الوجوب المعتبر في هذه المرحلة من باب حكم العقل بالاطاعة ، بل هو توأم مع الندب منتزع اعتبارا من ذلك البعث المجرد أو من ذلك البعث المقرون بالترخيص ، فنراهم ينسبونه إلى الباعث الذي هو السيد أو الأب لا إلى العقل. نعم حكم العقل بلزوم الاطاعة أو وجوبها إنّما هو بعد ذلك الانتزاع ، فلاحظ وتدبر.
قوله : فكما أنّ في التكوينيات يكون ثبوت شيء تارة بنفسه واخرى بغيره ، وما كان بالغير لا بد وأن ينتهي إلى ما بالذات ... إلخ (١).
قال المرحوم الشيخ محمد علي : وبتقريب آخر : الوجوب ليس معناه لغة إلاّ الثبوت ، ومنه قولهم الواجب بالذات والواجب بالغير ، فإنّ معنى كونه واجبا بالذات هو أنّ ثبوته يكون لنفسه ... إلخ (٢).
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ١٤٤.
(٢) فوائد الاصول ١ ـ ٢ : ١٣٧.