[ الكلام في الوضع ]
قوله : بل يلهم الله تبارك وتعالى عباده على اختلافهم كل طائفة على التكلم بلفظ مخصوص عند إرادة معنى خاص ... إلخ (١).
هذا هو الصحيح الذي لا ريب فيه ، إذ ليس في البين جعل لفظ لمعنى ثم يتبعه الاستعمال ليكون ذلك سببا في كون اللفظ حقيقة في المعنى ، بل إنّ سبب ذلك هو ما افيد من إلهام الله تعالى حسبما أودع في الانسان من فطرة التكلم المعبّر عنها في القرآن الكريم بقوله تعالى : ( علّمه البيان )(٢) وحاصلها أن الغرض الأصلي للمتكلم هو إحضار المعنى أمام السامع ليحكم عليه المتكلم بما يريد ، وحيث إنّ ذلك غير ممكن فهو بطبعه يلتجئ إلى التصويت بصوت يرى أنه مناسب لذلك المعنى بحيث يرى أنّ ذلك الصوت إيجاد لذلك المعنى كما شرحناه مفصلا في رسالة في أصل الوضع وحقيقته وتشعّب اللغات فراجعها (٣) ، وعن ذلك التصويت في ذلك المقام ينشأ كون اللفظ حقيقة في المعنى.
وأمّا السبب الآخر ، وهو كثرة استعمال اللفظ في المعنى ، فهو أيضا لا أساس له ، لا لما قيل من أن الاعتماد على الشهرة لا يخرج ذلك الاستعمال عن المجازية لكون الشهرة حينئذ قرينة على التجوّز ، إذ ليس
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ١٩ [ مع اختلاف يسير عمّا في النسختين ].
(٢) الرحمن ٥٥ : ٤.
(٣) مخطوطة لم تطبع بعد.