النظر الاستقلالي إلى اللفظ ، ومع ذلك يحصل ذلك المطلوب الذي هو إفهام السامع أنّ اللفظ موضوع لذلك المعنى باستعماله فيه بأن يقول له : ائتني بذلك الماء ، فيفهم من تلك الاشارة أنّ لفظ الماء موضوع لذلك الجسم ، من دون توقف على أن يكون المتكلم قد لاحظ لفظ الماء لحاظا استقلاليا.
وبالجملة : أن الكثرة لا توجب الانقلاب إلى الحقيقة ما لم يكن في البين استعمال على نحو الحقيقة ممّن هو متّبع في استعماله ، وإلاّ فلم لم ينقلب لفظ الأسد عن معناه الحقيقي الذي هو الحيوان المفترس إلى الرجل الشجاع مع أنه أكثر المجازات استعمالا. ومجرد عدم هجر المعنى الأول لا يدفع هذا النقض ، فانهم يلتزمون بأن الكثرة توجب الحقيقة في المعنى الجديد سواء هجر المعنى الأول أو لم يهجر ، غايته أنهم في صورة عدم هجران المعنى الأول يلتزمون بالاشتراك اللفظي ، وستأتي تتمة البحث إن شاء الله في مبحث الحقيقة الشرعية (١). فتلخص لك أن الوضع المبتكر والمنقول لا يكون إلاّ بالاستعمال دون الجعل الابتدائي وكثرة الاستعمال.
ثم لا يخفى أنّ هذا الذي أفاده قدسسره هنا من حصول الوضع بالاستعمال لا بالجعل المستقل لا يكاد يلتئم مع ما أفاده من إمكان كون الوضع عاما مع كون الموضوع له خاصا ، حيث إن الاستعمال الواحد لا يعقل فيه الوضع لكل فرد من أفراد العام. على أنّ فيه إشكالا آخر ، وهو أن كون الموضوع له هو كل واحد من الأفراد الخاصة يقتضي تصور كل واحد من تلك الأفراد بخصوصه ولا يكفي فيه تصور العام ، لأنه إنّما يكون تصورا للخاص بما أنه مصداق للعام لا بخصوص الخاص وشخصه ، فإن كان الموضوع له هو
__________________
(١) في صفحة : ١١٩ وما بعدها.