وإن شئت فقرّب المطلب بتقريب آخر : وهو أنّ الطاعة التي يحكم العقل بحسنها ولزومها ليست هي إلا عبارة عن الانبعاث عن الأمر ، فليس في البين اعتبار الداعوية ، نعم لازم الانبعاث عن الأمر هو كون العبد شاعرا بأنّ الفعل الذي يأتي به إنّما هو انبعاث عن الأمر ، ولازم ذلك قهرا كون الامتثال علة غائية لذلك الفعل ، أما الإتيان بالفعل بداعي غاية اخرى فهو خارج عن موضوع الإطاعة التي حكم بها العقل ولا يكتفى به إلا بدليل (١) خارج عن الأمر ، لأن ذلك لم يكن انبعاثا عن الأمر وإن كان المأتي به مطابقا للمأمور به ، إلا أنّ العقل لا يجتزئ به ما لم يكن مصداقا للاطاعة التي حكم بلزومها ، أما النواهي فلا حكم للعقل فيها إلا بالمنع عمّا منع عنه الشارع الذي نعبّر عنه بالمنع من العصيان ، فالاكتفاء فيها بمجرد الترك إنّما هو لأجل أنّ ذلك محقق لعدم المعصية لا من باب الإطاعة للنهي الشرعي ، فتأمل.
لا يقال : إذا فرضنا كون الفعل الصادر بغير داعي الامتثال غير منطبق عليه المأمور به وأنه لا يكون بنظر العقل طاعة ، وأنّ سقوط الأمر به إنّما هو من قبيل ارتفاع الموضوع ، لم يخرج المكلف بذلك عن استحقاق العقاب كما حرر في مسألة الجهر والإخفات.
لأنّا نقول : يمكن أن لا يكون موجبا لاستحقاق العقاب ، بأن يكون الأمر مشروطا حدوثا وبقاء بعدم حصول الفعل بغير داعي الأمر ، فيكون حصول ذلك الفعل موجبا لارتفاع شرط الأمر ، فلا يكون موجبا لتحقق العصيان واستحقاق العقاب.
__________________
(١) [ في الأصل : بذلك ، والصحيح ما أثبتناه ].