وإن شئت فقل : إنه من المقدمات التمهيدية لعلم الفقه ، فانا قد ذكرنا في بحث الاجتهاد والتقليد أنّ عمل الفقيه عند إرادته معرفة الحكم في واقعة من الوقائع يدور على امور أربعة مترتبة : فالأول هو الدليل الاجتهادي. الثاني : الاصل الشرعي الاحرازي. الثالث : الأصل الشرعي غير الاحرازي. الرابع : ما ينتهي إليه حكم العقل من براءة أو احتياط أو تخيير ، وهذه الامور هي روح اصول الفقه ، وهي متشتتة متفرقة محمولا وموضوعا ، ولأجل ذلك سميت اصول الفقه ولم تسم بأصل الفقه.
ولهذه الامور امور أخر تكون كالمدخل الى هذه الامور ، خصوصا للأوّل منها أعني الدليل الاجتهادي ، فانه يتوقف على الكثير من مباحث الألفاظ ، وأهم مباحث الجزء الثاني الذي يصطلحون عليه بالأدلة العقلية.
فالنحو ونحوه من الصرف واللغة وبقية العلوم إن توقف عليها الاستنباط ، فلا مانع من عدّ ذلك الذي يتوقف عليه الاستنباط منها من الاصول ، وإدخاله فيه كما صنعه العلامة في كتابه المختصر أعني التهذيب في الاصول حيث أدرج جملة من مسائل علم النحو واللغة فيه.
ولأجل ما ذكرناه من كون الاصول من مبادئ الفقه ترى الكثير من فقهائنا يذكرون مسائله في مقدمات كتبهم الفقهية ، فلاحظ كشف الغطاء ، والحدائق ، والمعالم الذي هو مقدمة لفقه المعالم المطبوع بعضه ، ولأجل ذلك صدّر كتابه بتعريف الفقه ، فقال : الفقه هو العلم ... إلخ (١).
قوله : أما المقدمة الاولى : فتشتمل على تعريف كلي موضوع العلم ، وتمييز العوارض الذاتية من الغريبة ـ إلى قوله : ـ بيان ذلك : أن
__________________
(١) معالم الدين : ٢٦.