إليه لا تابعا لغيره في النظر ، فليس الفرق بينهما باللحاظ الآلي في الأول ، إذ ليس معنى الحرف آلة لمعنى الاسم ، نعم إنه منظور إليه في الذهن [ تبعا ](١) ، بخلاف الاسم.
فان مرجع هذا القول بالأخرة إلى كون المعنى الحرفي مقيدا باللحاظ التبعي في قبال المعنى الاسمي المقيد باللحاظ المستقل ، وحينئذ يكون حاله حال القول الأول في توجه الاشكالين عليه ، أعني لزوم تعدد اللحاظ ولزوم أخذ ما هو آت من الاستعمال في المرتبة السابقة عليه ، أعني المستعمل فيه.
مضافا إلى أنّه يرد عليه ما أورده على التقييد باللحاظ الآلي من إنكار كون المعنى الحرفي آلة في المعنى الاسمي ، فإنّه يتوجه عليه نظير ذلك الانكار ، لتطرق الانكار إلى دعوى كون الحرف ملحوظا تبعا ، لامكان دعوى انوجاده في الذهن بمعنى كونه منظورا إليه قصدا لا تبعا ، فإن النظر في قولك سرت من البصرة ليس مقصورا على السير كما في النظر الخارجي إلى النقطة ، بل هو متعلق بكل من معنى البصرة ومعنى « من » غايته أن معنى « من » وهو الابتداء متعلق بالبصرة ، فهو ينظر إلى البصرة وإلى متعلقها لا أنه ينظر إلى نفس البصرة وكان نظره إلى الابتداء المتعلق بها تبعا على وجه يكون مغفولا عنه في النظر.
وأمّا القول بأن مفاد الحروف هو تلك النسب والارتباطات الواقعية أعني نسبة الابتداء إلى السير والبصرة ، بتقريب أنه نحو وجود لهما في الخارج يعبّر عنه بالوجود الربطي ، أعني وجود العرض لمعروضه الذي
__________________
(١) [ لم توجد في الأصل ، وإنما أضفناها للمناسبة ].