أن معنى لفظ في إنّما يفضي إلى ذلك المعنى الخارجي ، وحينئذ فلا يبقى أثر سوى المدخول اللفظي الصوري وهو لا إشكال فيه كما نشاهد فيما لو توسط بين الجار والمجرور حرف النفي مثلا.
والحاصل : أنّ حروف الجر إنّما اختصّت بالدخول على الأسماء من جهة أنّها تدل أو تحدث ( على الخلاف في معنى الحرف ) ربطا بين الاسمين أو بين الفعل والاسم ، وحينئذ فلا بد أن يكون مدخولها مستقلا ليكون أحد طرفي هذا الربط ، فإذا كان أحد طرفي هذا الربط هو ذلك المعنى الخارجي ، كان هو الذي يفضى إليه ويرتبط بما قبل ذلك الحرف أو بعده ، ولمّا لم يمكن ابتداء إدخال لفظ الحرف على نفس الذات المشار إليها مثلا ، جعل الواسطة في حمل معنى حرف الجر إلى تلك الذات هو أداة الاشارة ، فالمدخول الواقعي ( أعني الذي يرتبط به المعنى الحرفي ) هو ذلك الشخص الخارجي المشار إليه ، وإنما كان إدخال الحرف على أداة الاشارة لمجرد كونه واسطة في حمل معناه إلى الذات المشار إليها.
وهذا المطلب وان كان مستغربا إلاّ أنّه لا ينبغي الاعراض عنه لمجرّد ذلك بعد أن ساعده الاعتبار. ولقد وقعت هذه الشبهة في ذهني القاصر من زمان قديم ، ولكني حسبتها ـ لأجل مخالفتها المشهور ـ في مقابل البديهة ، ولم تزل تخالجني حتى الآن ، فلمّا لم أقدر على دفعها إلى الآن أحببت رسمها هنا ، فإن كانت حقيقة فنعم المطلوب ، وإلاّ ففائدة كتابتها هي أن تحلّها أنت أيها الناظر الخبير والناقد البصير ، والله سبحانه وتعالى هو الموفق والمستعان وهو نعم المعين ونعم النصير.
نعم ، بناء على ما أفاده شيخنا قدسسره (١) من أن النسبة التي توجدها الهيئة
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٢٧.