المتناقضين ذهنا ليس هو عين اجتماعهما في الذهن ، والمحال إنما هو نفس اجتماعهما في الذهن لا تصور اجتماعهما. نعم ما يكون وجوده في الذهن محالا يستحيل تصوره ، إذ ليس تصوره إلاّ وجوده في الذهن ، وهل يكون اجتماع المتناقضين ذهنا من هذا القبيل ، بمعنى كون وجود الاجتماع محالا في الذهن ، وحينئذ يمتنع تصوره ، إذ ليس تصوره إلا وجوده في الذهن ، والمفروض أنّ وجوده في الذهن محال. ولو كان الأمر كذلك فلا يصلحه أخذ مفهوم الاجتماع فيما بين زيد وعمرو وتصوره طارئا على المتناقضين ذهنا ، فانه لا يخرج بذلك عن وجود اجتماعهما في الذهن المفروض كونه محالا ، فتأمل.
قوله ـ في الركن الرابع إنّ المعنى الحرفي حاله حال الألفاظ حين استعمالها ، فكما أن المستعمل حين الاستعمال لا يرى إلاّ المعنى ، وغير ملتفت إلى الألفاظ ـ إلى قوله : ـ كذلك المعنى الحرفي غير ملتفت إليه حال الاستعمال ، بل الملتفت إليه هي المعاني الاسمية الاستقلالية ... إلخ (١).
وحاصله : أنّ النظر الى الألفاظ في مقام استعمالها في معانيها إنّما هو نظر آلي ، وانما المنظور إليه حقيقة هو المعاني ، فكذلك المعاني الحرفية بالنسبة إلى المعاني الاسمية. ولكن هل ألفاظ الحروف كذلك؟ بمعنى أنّ المنظور إليه من لفظة « من » في قولك « سرت من البصرة » هو معناها ولو النسبة الايجادية ، أو أن ألفاظ الحروف خارجة عن القاعدة في الألفاظ؟
لا سبيل إلى الثاني فيتعيّن الاول ، وحينئذ تكون لفظة « من » آلة في
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٣٢.