ومن ذلك يظهر لك التأمل فيما أضافه المرحوم الشيخ محمد علي بقوله : فحيث انه لم يكن للمعنى الحرفي موطن غير الاستعمال ، فلا بد من أن يكون غير ملتفت إليه ومغفولا عنه حين الاستعمال ـ الى أن قال ـ ولا يمكن سبق الالتفات إلى ما لا وجود له إلاّ بالقول ... إلخ (١).
ولئن قال قائل إن المعنى الحرفي إذا كان إيجاديا كان ذلك أدعى لأن يكون ملتفتا إليه ، لأنه حينئذ يكون من الأفعال الاختيارية للمستعمل ، لم يكن قوله بعيدا. نعم دعوى كون المعنى الحرفي منظورا إليه استقلالا ببرهان أنّه يقع موردا للسؤال والجواب كما في قولك ـ في جواب من سألك عن كيفية ركوب زيد مع العلم بأصل الركوب ـ : إنه على الدابة أو مع الأمير ، لا تخلو من مغالطة ، إذ ليس السؤال ولا الجواب متعلقا بالمعنى الحرفي بما أنه معنى حرفي ، بل هما متعلقان بالمعنى الاسمي وأخذ ذلك الربط ملحوظا استقلالا ، فهو على وتيرة قولك أيّ نسبة بين السير والبصرة ، فهل هي نسبة ابتداء أو هي نسبة انتهاء أو هي نسبة الظرفية؟ وجواب الأول سار من البصرة ، وجواب الثاني سار الى البصرة ، وجواب الثالث سار في البصرة ، أما السؤال عن محل نزوله ، فتقول في دار زيد ، فلا ربط له بما نحن فيه ، فان السؤال والجواب منصبّان على مدخول لفظة في ، ولا دخل لهما بنفس مفاد لفظة في.
وأما القول بأنّ معاني الحروف قيود المعاني الاسمية كما في حواشي التقرير عن شيخنا قدسسره (٢) فان كان المراد بذلك أنّ قولنا « من البصرة » يقيّد السير بالبصرة ويربطه بها ، فيكون مفاد لفظة « من » هو النسبة التقييدية
__________________
(١) فوائد الاصول ١ ـ ٢ : ٤٥.
(٢) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٢٧.