قوله : إلاّ أنّ الربط المزبور إنّما هو من جهة دلالتها على معانيها ـ إلى قوله : ـ لا يرجع إلى محصّل ... إلخ (١).
لا يخفى أنّ القائل بكون معاني الحروف إيجاديّة إنّما يقول إنّها موضوعة لإيجاد ذلك المعنى الذي هو النسبة بين المفهومين ، لا أنّها موضوعة لمعنى من المعاني وذلك المعنى الذي تحكيه يكون رابطا بين المفهومين ، بل لو كانت كذلك لكان معناها أيضا محتاجا إلى رابط يربطه بذينك المفهومين. وبالجملة فليس الربط عند القائلين بالإيجاد حاصلا من المعنى الذي يحكيه الحرف ، بل الربط إنّما هو مخلوق بايجاد الحرف الذي هو آلة في إيجاد الربط بينهما.
قوله : والتحقيق أن يقال : إنّ الحروف بأجمعها وضعت لتضييقات المعاني الاسمية وتقييداتها بقيود خارجة عن حقائقها ... إلخ (٢).
نعم إنّما هي موضوعة للتضييق ، لكن لا من جهة أنّ معناها يضيق ، بل من جهة أنّها توجد النسبة التضييقية. وإن شئت فقل : إنّها توجد النسبة التقييدية بين السير والبصرة ، وأن السير يكون مقيدا بالبصرة على جهة الابتداء حتى على القول بأنّها حاكية عن النسبة ، فليس القيد هو نفس مفاد الحرف الذي هو النسبة ، وكيف يعقل كون النسبة منسوبة نسبة تقييدية ، بل القيد هو مدخول الحرف وما هو مفاد الحرف هو نفس التقييد ، ولأجل ذلك صح أن نقول « فمفاهيمها في حد ذاتها متعلقات بغيرها » (٣) لأنّ معناها هو النسبة وهي متعلقة بغير الحرف. أما لو قلنا إنّ المعنى الحرفي بنفسه يكون قيدا فلا بد أن يكون له مفهوم في حد نفسه مقابل للمقيد.
__________________
( ١ _ ٣ ) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٢٧.