مفهوم أحدهما من المفاهيم الانتزاعية غير الصالحة لتعلق الطلب بها ، لأن المفاهيم الانتزاعية على ثلاثة أنحاء :
النحو الأوّل : ما كان محض صورة خيالية لا واقعية لها إلاّ في عالم المخيلة مثل أنياب الأغوال. ولا ريب في عدم معقولية تعلق الطلب بمثله.
النحو الثاني : ما يكون منتزعا من أمر واقعي مثل التقدم والتأخر ونحوهما ممّا ينتزع عن أمر واقعي ، وهو كون أحد الشيئين قبل الآخر زمانا أو مكانا. ولا ريب في صحة تعلق الطلب بمثل هذا.
النحو الثالث : ما يكون متوسطا بين النحوين الأولين ، وذلك مثل مفهوم أحد الأمرين الصالح للانطباق على كل منهما ، فانه باعتبار عدم المصداق المخصوص يكون مشابها للنحو الأوّل ، وباعتبار صلاحيته للانطباق على كل واحد منهما على البدل يكون ملحقا بالثاني ، ولأجل ذلك يصح تعلق الطلب به كما يصح أن يقع متعلقا للحكم الوضعي ، كالعتق والطلاق ونحوهما مما يمكن أن يكون مورده أحد الأمرين أو الامور. فإذا صح كونه موردا للأحكام الوضعية صح كونه موردا للطلب الوجوبي وغيره من الأحكام التكليفية بطريق أولى ، انتهى.
قلت : يمكن الفرق بين ما هو مورد الأحكام الوضعية وبين ما نحن فيه ، فان الأوّل يمكن أن يدعى كونه من قبيل النكرة على رأي صاحب الفصول (١) بخلاف الثاني فانه ليس المراد به ذلك المعنى ، وإلاّ رجع إلى ما يختاره شيخنا قدسسره ، بل المراد به مفهوم أحدهما الصالح للانطباق على كل منهما. والفرق بينه وبين النكرة على رأى صاحب الفصول هو دخول
__________________
(١) راجع الفصول الغروية : ١٦٣ ، ١٠٢.