الشأن في ثبوت أصل هذه الصورة ، إذ لا طريق لنا إلى استكشافها إلاّ من توجه الأمر الاضطراري في حال تعذر القيد مع فرض التمكن منه في باقي الوقت ، مع فرض قيام الدليل أيضا على أنه لو كان في حال يمكنه فيه ذلك القيد لا يجوز له تفويت تلك القدرة ، فان هذين الدليلين لو اجتمعا تستنتج منهما النتيجة المزبورة ، بخلاف ما لو انفرد الأوّل عن الثاني فانه يمكن أن ينزّل على ما تقدم ذكره من عدم مدخلية للقيد في المصلحة ، وأنه لا أثر له إلاّ توقف مصلحة الواجب عليه في حال التمكن منه ، وأن قيديته ساقطة في حال تعذره ولو مع التمكن منه في باقي الوقت.
على أنك قد عرفت أن هذا المقدار أيضا مجرد فرض لا واقعية له ، وأن الأوامر الاضطرارية المشرّعة فيما عثرت عليه كلها مقيدة بالتعذر في تمام الوقت ، وأنه لا يسوغ البدار في شيء منها لمن كان يعلم أنه يتمكن من القيد في باقي الوقت ولو في آخره.
قوله : وأما المسألة الثالثة فادعى جماعة فيها الاجماع على عدم الاجزاء ، وجعلوا الاجزاء وعدمه من فروع مسألة التصويب والتخطئة وهو الحق ... الخ (١).
لا يخفى أن الأمر الظاهري ذو مراتب ، فأعلاها ما يستفاد من الأمارات ، ثم الاصول الاحرازية ، ثم الاصول التنزيلية ، ثم الاصول التي يكون مفادها جعل الحكم في مورد الشك ، سواء كان ذلك الحكم على طبق أحد طرفي الشك كما في قاعدة البناء على الأكثر أو قاعدة الطهارة ، أو كان حكما آخر كما لو حكم بالاباحة الظاهرية أو التخيير الشرعي الظاهري
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٢٨٦ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].