بالتعرض له من هذه الجهة هنا لوجود المناسبة بين المقام وبينه في الجملة ، فأشار إليه ـ قدس سره ـ بقوله (١) : ( ومنه يعلم أنه لا تعارض (٢) بين الأصول وما يحصله المجتهد من الأدلة الاجتهادية .. إلى آخره ).
ولما انجر الكلام إلى ذلك فالحري توضيح المرام فيه ببسط النقض والإبرام :
فاعلم أنه ربما يتوهم التدافع بين الأصول العملية ومؤدى الأدلة الاجتهادية ، وهي الأحكام الواقعية ، ومورد توهمه إنما هو صورة تخالفهما ، كأن يكون الأصل مقتضيا لوجوب شيء مع كون مقتضى الطريق الاجتهادي ضد الوجوب من سائر الأحكام ، أو العكس.
وتوضيح وجه ذلك التوهم : أنه لا شبهة في تضاد الأحكام الخمسة بأسرها فيلزمها بينا امتناع [ اجتماع ](٣) اثنين منها في مورد واحد ، فإذا كان حكم شيء في الواقع أحدا منها يمتنع (٤) ثبوت غيره ـ أيضا ـ لذلك الشيء حال ثبوته له في الواقع ولو كان غيره حكما ظاهريا ، ضرورة أنه ـ أيضا ـ بالنسبة إلى موضوعه واقعي ، فإنه ثابت للمورد مع صدق موضوعه عليه واقعا ، وتسميته بالظاهري ليس معناه أنه لا واقع له ، بل إنما هو مجرد اصطلاح بملاحظة أنه يحدث في حق المكلف في مرحلة الظاهر مع جهله بالواقع الأولي الغير الملحوظ فيه شيء من وصفي العلم والجهل.
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٧٥٠.
(٢) لا يخفى أنه كان الأوفق التعبير بعدم المنافاة ، لما عرفت أن التعارض وصف للدليلين ، فلا يوصف به المدلول ، ومن المعلوم أن مؤدى الأدلة الاجتهادية والأصول إنما هما مدلولان للدليل ، لا أن كل واحد دليل. لمحرره عفا الله عنه.
(٣) إضافة يقتضيها السياق.
(٤) في الأصل : فيمتنع.