ومن المعلوم أن الجهات المقتضية للاستحباب وإن اجتمعت آلاف منها في مورد ، لا يعقل تأثيرها في إيجاب المورد ، وإنما يؤثر حينئذ ـ أيضا ـ طلبه ندبا ، غاية الأمر أنه تؤثر ـ حينئذ ـ مرتبة من الطلب الندبي المؤكد.
ومن المعلوم ـ أيضا ـ أن الطلب الندبي ، وإن بلغ ما بلغ من التأكد ، لا يبلغ مرتبة الوجوب ، فلا تسانخه ، فلا يعقل أن يكون مؤكدا له ، فلا يوجب اتحادها مع أحد الواجبين التخييريين ـ بالأصل ، أو لعارض لأجل التزاحم ـ تعيين ما اتحدت معه ، نعم يوجب أفضليته من الآخر.
قوله ـ : (قدس سره) ـ : ( ومرجع التوقف أيضا إلى التخيير إذا لم يجعل الأصل من المرجحات ) (١).
مراده من رجوع التوقف إلى التخيير إنما هو رجوعه إليه بحسب المورد ، بمعنى أنه إذا كان المورد مما كان الأصل الأولي فيه التوقف مع عدم كون الأصل من المرجحات يكون من صور التكافؤ التي هي مورد للتخيير الثابت بأخبار التخيير ، والتقييد بعدم كون الأصل من المرجحات لأجل أنه مع كونه منها يكون قاطعا للأصل الأولي الّذي هو التوقف ، ومعينا للأخذ بموافقه من الخبرين المتعارضين ، فيكون مخرجا للمورد عن أخبار التخيير ، لاختصاصها بما لم يكن لأحدهما مرجح ومعين ، الّذي يعبر عنه بصورة التكافؤ.
وظاهر العبارة يعطي ما لا يخلو من المناقشة والإيراد مع أنه ليس بالمراد ، فإن ظاهرها رجوع نفس التوقف إلى نفس التخيير على التقدير المذكور وهو لا يستقيم ، فإن التوقف والتخيير معنيان متباينان ، لا يعقل صدق أحدهما على الآخر ، إذ الأول عبارة عن عدم التمسك بواحد من الخبرين المتعارضين في خصوص مؤداه ، والثاني عبارة عن جواز التمسك بواحد منهما على البدل في
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٧٦٦.