من التعارض والتخصيص أو التقييد ، ولم يكن عندنا صورة يكون منشأ فساد العبادة فيها هو مجرّد النهي عنها من دون أن يكون في البين أمر حتّى مثل ما تقدّم من مثال القيام متكتّفا ، فإنّه يكفي في عدم صحّته عدم الأمر وكونه تشريعا ، فتأمّل.
وإن شئت فقل : إنّ قوله لا تصلّ ، عند ملاحظته مع قوله صلّ ، يكون بالنظر العرفي معارضا له ، وبالنظر إلى الجمع العرفي الارتكازي يكون مخصّصا له ، قبل النظر إلى أنّ هذا النهي سالب للقدرة وأنّ ملاكه مذهب لملاك الأمر أو غالب عليه ، فإنّ هذه الجهات متأخرة عمّا ذكرناه من التعارض العرفي والجمع الارتكازي فتأمّل ، فإنّ هذا التعارض والجمع حاصل حتّى لو قلنا بعدم تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد.
قوله : فإنّ الفساد كما عرفت سابقا إنّما يدور مدار عدم الأمر والملاك معا ، وما يكون مضادّا للنهي الغيري ويكون هو كاشفا عن عدمه هو الأمر بالصلاة لا كونها واجدة للملاك ، فيصحّ التقرّب بها من جهة الملاك وإن لم يكن مأمورا بها فعلا ... الخ (١).
حاصله : أنّ النهي الغيري في هذا المقام لا يرفع إلاّ ضدّه الذي هو الأمر ، فلا يكون دليلا إلاّ على عدم الأمر ، ولا دلالة فيه على عدم الملاك. ويمكن التأمّل في ذلك ، إذ ليس لنا دليلان أحدهما دلّ على الأمر والآخر على الملاك ، كي يكون سقوط ما دلّ على الأمر (٢) بمعارضة النهي غير موجب لسقوط ما دلّ على الملاك ، وليس أيضا من قبيل الدلالتين لدليل واحد ، بحيث يكون لنا دليل واحد يدلّ على
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٠٢ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].
(٢) [ في الأصل : عدم الأمر ، والظاهر أنّه من سهو القلم ].