الأدلّة العامّة ، فإنّ عموم هذه الأدلّة شامل لما ذكره قدسسره من العبادات ، غير أنّه بعد لحاظ تحقّق النهي عنها تكون خارجة عن تلك العمومات ، لكون النهي عنها مخصّصا أو مقيّدا لتلك العمومات ، وكأنّه قدسسره يريد أنّ قولهم النهي عن العبادة يوجب فسادها أنّها بعد النهي تكون عبادة ، غايته أنّها عبادة فاسدة ، فاضطرّ إلى تفسير العبادة بما يكون في حدّ نفسه عبادة وإن كان منهيا عنه فعلا ، وهو العبادة الذاتية المنهي عنها فعلا ، أو ما يكون عبادة ومأمورا به لو لم يكن منهيا عنه ، هذا.
ولكن لا داعي إلى هذه المضايقة ، بل الظاهر أنّ المراد بالعبادة في ذلك ما يكون عبادة في حدّ نفسه مع قطع النظر عن تعلّق النهي به ، وإن خرج عن كونه عبادة بواسطة تعلّق النهي به. فالمراد بالعبادة ما يكون في حدّ ذاته مقرّبا أو يكون مقرّبا بواسطة الأمر ، لكن بملاحظة تعلّق النهي به يخرج الأوّل عن كونه مقرّبا بل يكون مبعدا ، ويخرج الثاني عن كونه مأمورا به ، بل يكون محرّما ومنهيا عنه ، وحينئذ يلتئم قولهم النهي عن العبادة يوجب فسادها مع كلّ واحد من تفاسير العبادة الراجعة إلى ما يكون مقرّبا ، من دون حاجة إلى هذا التكلّف ، هذا.
مضافا إلى أنّه قدسسره قد ارتكب هذا التسامح بقوله : ما يكون بنفسه مقرّبا لو لا حرمته ، فإنّه إن صحّ هذا التسامح فلم لا يصحّحه في تفسير العبادة بما أمر به ، ويكون المراد أنّه مأمور به لو لا حرمته ، كما قال قدسسره إنّه يكون مقرّبا لو لا حرمته ، فتأمّل.
قوله : والمراد من المعاملة ليس كلّ ما لم يكن عبادة حتّى يشمل مثل الحيازة والتحجير وأمثالهما ، بداهة أنّ غير العقود والايقاعات لم يتوهّم فيها دلالة النهي على الفساد ... الخ (١).
قال قدسسره فيما حرّرته عنه : الخامسة أنّ للعبادة اطلاقين ، أحدهما : العبادة
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٠٣ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].