وليس ذلك في شيء من جعل الصحّة.
وبالجملة : أنّ الصحّة التي هي عبارة عن مطابقة العمل للواقع أو التمامية هي من الأمور الواقعية ، فيكون حالها حال الأمور الواقعية في كونها قابلة للثبوت بالأمارات الشرعية ، وبما جعله الشارع مثبتا لها مثل قاعدة الفراغ ، فيترتّب على ذلك آثارها الشرعية ، من سقوط الأمر وعدم وجوب الاعادة والقضاء وغير ذلك ، وليس ذلك من قبيل جعل الصحّة في شيء. وأي فرق بين من صلّى ثمّ شكّ في كونه صلّى إلى القبلة وجرت في حقّه قاعدة الفراغ ، ومن قامت عنده البيّنة بعد صلاته بأنّها كانت إلى القبلة. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المجعول في حقّهما معا هو كون تلك الصلاة قد وقعت إلى القبلة ، فكانت مطابقة لما هو المأمور به واقعا ، ويكون جميع ذلك راجعا إلى جعل الصحّة ظاهرا ، فتأمّل.
وحاصل البحث أو خلاصته أو توضيحه : أنّ صاحب الكفاية قدسسره (١) نظر إلى أثر الصحّة ، وحيث إنّه عند المتكلّم مطابقة المأمور به ، فحكم بأنّها عند المتكلّم انتزاعية صرفة ، ولمّا كان أثرها عند الفقيه إسقاط الأمر المتعلّق بالعبادة وهو عقلي بالنسبة إلى الأمر المتعلّق بذلك الفعل المأتي به ، حكم بأنّها عند الفقيه عقلية صرفة لا انتزاعية ولا جعلية لا أصالة ولا تبعا ، نعم بالنسبة إلى إسقاط الاعادة أو القضاء عن الأمر الآخر الواقعي الأوّلي ، الذي هو عبارة عن الإجزاء الذي لا يكون إلاّ بحكم الشارع ، حكم بأنّها في ذلك مجعولة للشارع ، كما هو الحال في صحّة المعاملة لكون أثرها وهو الملكية مثلا مجعولا شرعا. هذا بالنسبة إلى الكلّيات ، وأمّا انطباق هذا الشخص من الفعل الخارجي الذي أوقعه المكلّف فهي لا تكون إلاّ منتزعة صرفة. هذا خلاصة ما في الكفاية.
__________________
(١) كفاية الأصول : ١٨٣ / تنبيه.