نعم ، تقدّمت الاشارة (١) إلى الفرق بين مثل أكرم عالما ولا تكرم العالم الفاسق وبين مثل صلّ ولا تصلّ في الحرير ـ مثلا ـ بأنّ الأوّل يكون الخروج فيه واقعيا ولا يكون الاضطرار فيه مصحّحا ، لعدم الملاك. وهذا بخلاف الثاني فإنّه من باب التزاحم في مقام التشريع ، وغلبة ملاك النهي على ملاك الأمر. ومقتضاه وإن كان هو الالحاق بالأوّل ، إلاّ أنّه لمّا قام الإجماع على الصحّة في مورد الاضطرار كان ذلك الإجماع كاشفا عن تأثير ملاك الأمر عند سقوط التحريم بالاضطرار ، وهكذا الحال في مسألة الاجتماع على القول بالامتناع من الجهة الأولى.
قوله : وأمّا المقام الثاني : وهو النهي عن المعاملات فتوضيح الحال فيه : أنّ النهي المتعلّق بمعاملة تارة يكون نهيا غيريا مسوقا لبيان المانعية ، فلا إشكال في دلالته على الفساد ، سواء تعلّق بالسبب فيدلّ على تقيّده بعدمه ، أو تعلّق بالمسبّب فيدلّ على عدم ترتّبه به ، فيدلّ على تقيّد السبب بعدمه ... الخ (٢).
مثال النهي عن السبب النهي عن بيع المنابذة ، ومثال النهي عمّا يكون وجوده مفسدا للمعاملة النهي عن الفصل الطويل بين الايجاب والقبول ، ومثل قوله عليهالسلام : « لا تسمّ بذرا ولا بقرا » (٣) ومثال النهي عن المسبّب النهي الوارد عن نقل أمّ الولد.
لكن تسمية أمثال هذه النواهي بالنواهي الغيرية تسامح. أمّا الأوّل والأخير
__________________
(١) لاحظ ما تقدّم في الصفحة : ٨٢ ـ ٨٣.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٢٢٦ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].
(٣) وسائل الشيعة ١٩ : ٤٣ / كتاب المزارعة والمساقاة ب ٨ ح ١٠ ، ٦ ( نقل بالمضمون ).