ذلك ليس هو إلاّ ما كان متحقّقا بالوجدان ، فلا فرق في ذلك القبح العقلي والحرمة الشرعية التابعة له بين ما كان مورده إحراز عدم المشروعية ، أو كان مورده هو عدم الاحراز. فتلك الحرمة وذلك القبح العقلي الذي كان محقّقا وجدانا مع قطع النظر عن جريان الأصل المحرز لعدم التعبّد ، هو بعينه يكون مترتّبا على إحراز عدم المشروعية بالأصل ، فلا يكون اجراء أصالة عدم المشروعية لأجل أن يترتّب عليه القبح والحرمة المذكوران إلاّ من قبيل التوخّي لاحراز شيء بالأصل كان هو محرزا بالوجدان.
نعم ، إحراز التشريع بالأصل أو بالتعبّد بالأمارة ، كما في موارد استصحاب الحجّية أو قيام الدليل التعبّدي عليها ، يكون له أثر مترتّب عليه ، وهو الحكم بالحجّية والمشروعية ، وبه يخرج المورد عن كونه من قبيل عدم إحراز المشروعية ، كما حقّقناه في محلّه في باب حجّية الظنّ (١) وباب الاجتهاد والتقليد (٢) ، فراجع.
وهذا هو الشأن في هذا الباب أعني الاحراز التعبّدي لما هو محرز بالوجدان ، فإنّ ذلك التعبّد إن كان على وفق ما كان موضوعه محرزا بالوجدان لم يكن ذلك التعبّد جاريا. بخلاف ما لو كان على خلافه ، لكون التعبّد حينئذ رافعا تنزيليا لموضوع ذلك الأمر المحرز بالوجدان.
ونظير ذلك ما لو شكّ في سعة الوقت للصلاة مع الطهارة المائية ، فإذا لم يعلم مقدار ما بقي من الوقت لزمه الوضوء ، استنادا إلى استصحاب بقاء الوقت. بخلاف ما لو علم مقدار الباقي ولكن شك في كونه يسع الصلاة مع الطهارة
__________________
(١) من هذا الكتاب في الحاشية على فوائد الأصول ٣ ( الهامش ) : ١٢٩.
(٢) مخطوط لم يطبع بعد.