أخرى ، وهكذا تستمرّ سلسلة التحصيل ما دامت النفس موجودة. فلو قيل ببقائها إلى ما لا نهاية له كان تحصيلها للمعلومات غير متناه أيضا.
ولا يخفى أنّ النفس وإن لم تكن قديمة بل حادثة ، لكن لا برهان على عروض العدم عليها ، بل إنّ الأدلّة السمعية الدالّة على أنّ أهل النار فيها خالدون وأهل الجنّة فيها خالدون دالّة على بقاء البشر إلى غير النهاية.
بل يمكن القول بأنّ عدد النفوس غير متناه ، لا من جهة بقاء التوالد ، بل من جهة امكان وجود نفوس أخرى غير النفوس البشرية ، وتكون تلك النفوس التي أوجدها الواجب تعالى غير متناهية ، غايته أن نقول إنّها مجرّدة غير مادّية ، لدعوى استحالة عدم التناهي في المادّة ، لبرهانين ذكرهما الطوسي قدسسره في التجريد فقال :
الفصل الثالث : في بقية أحكام الأجسام. وتشترك الأجسام في وجوب التناهي (١) ، فراجع. ولو لا هذين البرهانين ونحوهما ممّا أقاموه على عدم معقولية عدم التناهي في المادّة لأمكننا القول بوجود عوالم مادّية غير متناهية ، وهي كعالمنا وكنظام شمسنا.
أمّا البراهين التي أقاموها على عدم معقولية عدم التناهي :
فمنها : برهان التطبيق ، وهو أنّه لو فرضنا خطّين غير متناهيين ، ونقصنا من أحدهما مقدارا ، وطبّقنا أحدهما على الآخر ، فإن تساويا لزم عدم تأثير ذلك التنقيص وهو محال ، وإن لم يتساويا لزم التناهي فيهما وهو المطلوب. وفيه : أنّه أوّلا منقوض بتسلسل المعلولات ، فإنّا لو نقصنا من إحدى السلسلتين مقدارا من العلل والمعلولات فإن كان الباقي مساويا لما لم ننقص منه لزم عدم تأثير ذلك التنقيص ، وإن لم يكن مساويا له لزم التناهي في السلسلتين. وثانيا : أنّ التنقيص
__________________
(١) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ١٦٧.