تركيب فيه. قلت : لا يخفى أنّ هذا البرهان مبني على أنّ ما تحكيه الألفاظ هو تلك الصور العقلية ، ويمكن منعه ، بل إنّ المحكي باللفظ والمقصود به هو المعنى الواقعي لا بقيد وجوده الذهني ، فتأمّل.
ثمّ لا يخفى أنّ أهل المنطق وإن ذكروا أنّ اللزوم المعتبر في الدلالة الالتزامية هو اللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ ، كالبصر بالنسبة إلى العمى ، فإنّ لفظ العمى يحدث معناه في ذهن السامع ، وحيث إنّ تصوّر معنى العمى لا ينفكّ عن تصوّر البصر قالوا إنّ دلالته عليه التزامية ، فلا يكون ملاك الدلالة الالتزامية عندهم هو الملازمة الواقعية بين المعنيين ، بل ملاكه هو الملازمة بين التصوّرين. ولا يخفى أنّ هذا إنّما يتأتّى في الدلالة التصوّرية التي هي عبارة عن حضور المعنى في ذهن السامع ، دون الدلالة التصديقية التي هي عبارة عن الحكم على المتكلّم بأنّه أراد ذلك المعنى اللازم. ولا دخل لذلك بالتلازم بين التصوّرين. ومن الواضح أنّ هذه الدلالة لا دخل لها بالدلالة الالتزامية التي اصطلح عليها أهل المنطق ، وجعلوا الملاك فيها هو اللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ ، فإنّ تلك الملازمة لا دخل لها بعالم الارادة ، ( إذ الغالب فيها أنّ المتكلّم لا يكون مريدا للازم وإن كان ذلك اللازم يحضر في ذهن السامع لكن لا يحكم السامع بأنّ المتكلّم أراد ذلك اللازم ) وإلاّ لكان قوله تعالى : ( أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى )(١) دالا على أن جاءه البصير.
وهناك فرق آخر بين الدلالة الالتزامية المصطلحة لأهل المنطق وبين ما نحن فيه من المفهوم ، فإنّ تلك في المفردات باعتبار تلازمها في مقام التصوّر ، وهذه في الأحكام الخبرية أو الانشائية باعتبار تلازمها في عالم التحقّق في وعاء اعتبارها ، ولا معنى لأن يقال إنّ مفهوم الجملة الثانية ملازم لمفهوم الجملة الأولى
__________________
(١) عبس ٨٠ : ٢.