يكون مدلولها في محلّ النطق لا غير ، والحال أنّ بناءهم على حصر المفهوم المصطلح بالبيّنات بالمعنى الأخصّ ، الذي كانت الملازمة بينهما بمثابة من الوضوح الموجب للانتقال من الملزوم إلى اللازم في عالم التصوّر ، بلا التفات إلى الملازمة تفصيلا ، بل يختصّ المفهوم المصطلح أيضا بالقضايا ، ولا يشمل دلالة المفردات على لازمها ولو كانت بتلك المثابة كدلالة الحاتم على الجود ، بل ينحصر اصطلاح المفهوم بصورة تعليق سنخ الحكم لا شخصيته وإلاّ فليس ذلك بمفهوم ، وحينئذ فلو فرض حصر المعنى عندهم بالمفهوم والمنطوق ، لازمه دخول غير ما هو مفهوم عندهم في المنطوق ، كما صرّح الفصول حيث جعل دلالة الآيتين على أقلّ الحمل في المنطوق ، وحينئذ يختلّ أمر التعريفين كليهما (١).
ولا يخفى أنّ هذا التفصيل الذي أفاده قدسسره في بيان مراتب الملازمة من حيث الجلاء والخفاء وإن كان صحيحا في حدّ نفسه ، إلاّ أنّه على الظاهر لا ينطبق على ما اصطلحوا عليه في البيّن بالمعنى الأخصّ ، فإنّ الذي اصطلحوا في هذا النحو من اللزوم هو أن يكون تصوّر أحد الطرفين كالعمى موجبا لتصوّر الآخر الذي هو البصر ، من دون أن يكون بينهما ملازمة ذاتية ، كي يقال إنّ وضوح ذلك التلازم الذاتي بينهما هو الذي أوجب الانتقال في عالم التصوّر من تصوّر الأوّل إلى تصوّر الثاني ، بل إنّ الذي أوجب هذا الانتقال التصوّري من الأوّل إلى الثاني هو كون الثاني مأخوذا في الأوّل ، لأنّ العمى لمّا كان معناه الموضوع له هو عدم البصر عمّا من شأنه أن يكون بصيرا ، كان تصوّر معناه المذكور موجبا لتصوّر البصر ، لأنّ معناه هو عدم [ البصر ] عمّا من شأنه أن يكون بصيرا ، فكان حضور هذا المعنى
__________________
(١) مقالات الأصول ١ : ٣٩٥.