علينا باب البرهان اللمّي ، أعني الانتقال من وجود العلّة إلى وجود المعلول ، إذ حينئذ يمكن أن يقال إنّ العلّة وإن كانت موجودة إلاّ أنّ وجودها لا يكشف عن وجود معلولها ، لجواز اقتران تلك العلّة بالمانع ، فلا يكون وجود العلّة كاشفا عن وجود المعلول ، وبذلك يبطل الانتقال من وجود العلّة إلى وجود المعلول الذي هو البرهان اللمّي ، بل بذلك يبطل منطوق القضية الشرطية التي يكون مقدّمها علّة في جزائها ، إذ لا يكون وجود تلك العلّة محقّقا لوجود المعلول ، لجواز اقتران تلك العلّة بالمانع من المعلول ، فلا يصحّ قولنا إن كانت الشمس طالعة كان الأفق مضيئا. وبذلك ينهدم أساس ما رمناه من أخذ المفهوم من القضية الشرطية التي يكون مقدمها علّة في الجزاء حتّى بعد إثبات كونها علّة منحصرة ، إذ مع بطلان نفس المنطوق كيف يمكننا أخذ المفهوم منه.
وأمّا ثانيا : فلأنّا لو فرضنا كون العلّة مركّبة ولو من ذات العلّة وعدم المانع وقابلية المحل المعبّر عنه في إيجاد الممكن بالمصلحة وغير ذلك ممّا يتوقّف عليه وجود الممكن ، وإن صحّ لنا أن نستدلّ من وجود الممكن على وجود ذات علّته ، ونشكّل من ذلك قضية شرطية ونقول إنّه إن كان الممكن موجودا كانت ذات علّته موجودة أو كان انعدام مانعة محقّقا ، إلاّ أنّ ذلك تسامح في التعبير ، بل إنّ وجود الممكن إنّما يكون دليلا على وجود تمام علّته ، وبعد أن يثبت عندنا تحقّق تمام علّته ننتقل إلى تحقّق الجزء الفلاني من علّته ، فعلينا حينئذ أن نشكّل من ذلك قضيتين شرطيتين فنقول إنّه إذا وجد الممكن فقد وجدت تمام علّته ، ثمّ نقول إنّه إذا وجدت تمام علّته فقد وجد الجزء الفلاني في ضمنها ، لأنّه إذا وجد الكل فقد وجد الجزء في ضمنه.
وحينئذ نقول : إنّ انتفاء المقدم في القضية الأولى يلزمه انتفاء التالي فيها ،