لكونه مزاحما بحرمة الاغتراف يكون غير مقدور شرعا فينبغي الحكم ببطلانه ، اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ عدم القدرة شرعا إنّما يوجب بطلان الوضوء إذا كان موجبا للانتقال إلى التيمّم ، لكونه حينئذ داخلا تحت من لم يجد الماء ، والمفروض فيما نحن فيه أنّ عدم وجدان ذلك الماء الخاصّ لا يوجب الانتقال إلى التيمّم لكونه واجدا لطبيعة الماء ، فتأمّل.
فلنعد إلى توضيح ما كنّا فيه من إلحاق ما هو متمّم المقولة بما هو من قبيل المقولة المستقلّة فنقول بعونه تعالى في توضيح ذلك : إنّك إذا قلت سرت من البصرة ، كان هناك عرض متأصّل وهو السير ، وكان هناك أيضا جوهر وهو البصرة ، وهناك أمر ثالث هو إضافة بينهما ، وتلك الاضافة هي المعبّر عنها في مقام لحاظها استقلاليا بالابتداء وفي مقام إيجادها بينهما في عالم الحكاية بلفظ من ، وهذه الاضافة وإن لم يكن لها تأصّل وليس لها ما بحذاء في الخارج كما حقّقه قدسسره في مبحث المعنى الحرفي (١) من أنّه في مثل سرت من البصرة لا يكون الموجود في الخارج إلاّ السير والبصرة ، وأنّ الابتداء ليس له ما بحذاء في الخارج إلاّ أنّها من الأمور الانتزاعية التي تنتزع من نحو وجود السير مربوطا ومتعلّقا بالبصرة ، أو يقال إنّها متأصّلة لكنّها من الأعراض الاضافية بأن تكون من مقولة الاضافة.
وسواء كانت متأصّلة أو كانت انتزاعية فهي على كلّ حال هي عرض من الأعراض قائم بما بين السير والبصرة ، على وجه يصحّ جعلها موردا للأمر بأن يقول الآمر : ابتدأ بسيرك من البصرة ، كما يصحّ جعلها موردا للنهي بأن يقول : لا تبتدئ بسيرك من البصرة. وهذا النحو من العرض كما لا ريب في أنّ تركّبه مع
__________________
(١) لاحظ أجود التقريرات ١ : ٢٥ وما بعدها.