الْآخِرَةِ كَمَا فَازُوا بِذلِكَ الْعِلْمِ.
وَاعْلَمْ يَا جَابِرُ ، أَنَّ أَهْلَ التَّقْوى أَيْسَرُ (١) أَهْلِ الدُّنْيَا مَؤُونَةً ، وَأَكْثَرُهُمْ لَكَ مَعُونَةً ، تَذْكُرُ (٢) فَيُعِينُونَكَ ، وَإِنْ نَسِيتَ ذَكَّرُوكَ ، قَوَّالُونَ بِأَمْرِ اللهِ ، قَوَّامُونَ (٣) عَلى أَمْرِ اللهِ ، قَطَعُوا مَحَبَّتَهُمْ بِمَحَبَّةِ رَبِّهِمْ ، وَوَحَشُوا الدُّنْيَا لِطَاعَةِ (٤) مَلِيكِهِمْ ، وَنَظَرُوا إِلَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَإِلى مَحَبَّتِهِ بِقُلُوبِهِمْ ، وَعَلِمُوا أَنَّ ذلِكَ هُوَ الْمَنْظُورُ إِلَيْهِ لِعَظِيمِ (٥) شَأْنِهِ ، فَأَنْزِلِ الدُّنْيَا كَمَنْزِلٍ نَزَلْتَهُ ثُمَّ ارْتَحَلْتَ عَنْهُ ، أَوْ كَمَالٍ (٦) وَجَدْتَهُ فِي مَنَامِكَ ، فَاسْتَيْقَظْتَ (٧) وَلَيْسَ مَعَكَ مِنْهُ (٨) شَيْءٌ ، إِنِّي إِنَّمَا ضَرَبْتُ لَكَ (٩) هذَا مَثَلاً ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ أَهْلِ اللُّبِّ وَالْعِلْمِ بِاللهِ كَفَيْءِ الظِّلَالِ.
يَا جَابِرُ ، فَاحْفَظْ مَا اسْتَرْعَاكَ اللهُ ـ جَلَّ وَعَزَّ ـ مِنْ دِينِهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَلَا تَسْأَلَنَّ عَمَّا لَكَ عِنْدَهُ إِلاَّ مَا لَهُ عِنْدَ نَفْسِكَ ، فَإِنْ تَكُنِ الدُّنْيَا عَلى (١٠) غَيْرِ (١١) مَا وَصَفْتُ لَكَ ، فَتَحَوَّلْ إِلى دَارِ الْمُسْتَعْتَبِ (١٢) ، فَلَعَمْرِي لَرُبَّ حَرِيصٍ عَلى أَمْرٍ قَدْ شَقِيَ بِهِ حِينَ أَتَاهُ ، وَلَرُبَّ كَارِهٍ لِأَمْرٍ قَدْ سَعِدَ بِهِ حِينَ أَتَاهُ ، وَذلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ
__________________
(١) في « بر » : + / « من ».
(٢) في « ج ، ص » : « تذكّر » بحذف إحدى التاءين.
(٣) في « ف » : ـ / « قوّامون ».
(٤) في « د » : « بطاعة ».
(٥) في « ب » : « عظم ».
(٦) الكاف جارّة. وفي مرآة العقول : « كما ».
(٧) في البحار : « واستيقظت ».
(٨) في « ص » : ـ / « منه ».
(٩) في « ز » : ـ / « لك ».
(١٠) في « ب » : ـ / « على ».
(١١) في « ز ، ص » : ـ / « غير ».
(١٢) في الوافي : « لعلّ المراد بقوله : « ولا تسألنّ عمّا لك عنده » أنّك لاتحتاج إلى أحد تسأله عن ثوابك عند الله ، إذليس ذلك إلاّبقدر ماله عند نفسك ، أعني بقدر رعايتك دينه وحكمته ، فاجعله المسؤول وتعرَّف ذلك منه. أو المراد : لاتسأل عن ذاك ، بل سل عن هذا ، فإنّك إنّما تفوز بذلك بقدر رعايتك هذا. ثمّ قال عليهالسلام : « فإن تكن الدنيا عندك على غير ما وصفت لك » فتكون تطمئنّ إليها ، فعليك أن تتحوّل فيها إلى دار ترضى فيها ربّك ، يعني أن تكون في الدنيا ببدنك وفي الآخرة بروحك تسعى في فكاك رقبتك وتحصيل رضا ربّك عنك حتّى يأتيك الموت. وهذا الحديث ممّا ذكره الحسن بن عليّ بن شعبة في تحف العقول ولم يذكر فيه لفظة « غير » وعلى هذا فلا حاجة إلى التكلّف في معناه ». وذكر في مرآة العقول ، ج ٨ ، ص ٢٩٥ ـ ٢٩٦ لقوله عليهالسلام : « فإن تكن » وجوهاً ، ومن أراد التفصيل فليراجع.