معه الخطاب ، إنّما هو فيما لو ألقى نفسه بالاضطرار بعد العلم بالتكليف ، كما لو دخل الفجر وصنع ما يوجب اضطراره إلى الافطار وعدم قدرته على الصوم ، ويلحق به ما لو صنع ذلك في أوّل الليل وكان عالماً بأنّه لا يقدر مع ذلك الصنع على الصوم في نهار غد ، أمّا لو كان قبل العلم بالتكليف بل قبل توجّه التكليف بل قبل حدوث سببه كما فيما نحن فيه فيما عرفته من المثال ، فلا يكون لذلك الاقدام أثر في إسقاط الاضطرار عن كونه مسقطاً لكلّ من التكليف والعقوبة على مخالفته ، فلاحظ وتأمّل. هذا كلّه فيما لو كان الاضطرار إلى واحد معيّن.
وأمّا لو كان الاضطرار إلى واحد من الطرفين غير معيّن ، كما لو علم إجمالاً بأنّ إحدى هاتين السمكتين ميتة ، ولم يكن لنا من الآثار المترتّبة على ميتة السمك إلاّ حرمة الأكل ، وكان مضطرّاً إلى أكل واحدة غير معيّنة منهما ، فإن كان الاضطرار بالغاً حدّ الوجوب بأن أشرفت نفسه على التلف ، بل ولو لم يكن في البين تلف نفسه ، بل كان يجب عليه الأكل مقدّمة لصوم غد ، بحيث إنّه لو لم يأكل شيئاً لم يقدر على الصوم الواجب ، ولم يكن له من المأكول إلاّهاتان السمكتان ، فلا ريب في وجوب أكل إحداهما وعدم جواز أكل الأُخرى ، لكونه حينئذ ملحقاً بدوران الأمر بين وجوب أحد الطرفين وحرمة الآخر مع اشتباههما ، كما لو نذر أحدهما المعيّن وحرم عليه الآخر معيّناً واشتبها ، فيكون ممنوعاً من أكلهما معاً ، لأنّه موجب للمخالفة القطعية للتحريم ، كما أنّ ترك أكلهما معاً موجب للمخالفة القطعية للوجوب ، فينحصر أمره بحكم العقل بأكل إحداهما وترك الأُخرى ، ويكون ذلك من قبيل تبعيض الاحتياط ، بل ما نحن فيه أولى بذلك من مسألة دوران الأمر بين وجوب أحد الطرفين وحرمة الآخر مع اشتباههما ، فإنّه لو أكل إحدى السمكتين وترك الأُخرى يحصل على الموافقة القطعية للوجوب مع