الموافقة الاحتمالية للتحريم.
ويمكن أن يقال : إنّ ما نحن فيه هو عين مسألة العلم بوجوب أحد الشيئين وحرمة الآخر مع اشتباههما ، نظراً إلى أنّ الوجوب لا يتوجّه إلاّ إلى ما هو المباح واقعاً ، وحيث إنّهما قد اشتبها يكون عين مسألة اشتباه الواجب بالحرام ، ولا فرق بينهما إلاّفي أنّ الوجوب في تلك المسألة يكون قبل الاشتباه وفيما نحن فيه يكون بعد الاشتباه. ويمكن فرضه فيه قبل الاشتباه ، بأن يعلم بعين ما هو الحرام وعين ما هو المباح ثمّ يحصل له الاضطرار الموجب لإيجاب الارتكاب ثمّ يحصل الاشتباه بينهما.
فتلخّص : أنّ الاضطرار لو كان بالغاً إلى حدّ الوجوب الشرعي لم يكن لنا محيص من القول بتبعيض الاحتياط ، ومثله لو كان ذلك بحكم العقل ، بأن حكم العقل بلزوم الارتكاب في بعض الأطراف ، كما ذكروا ذلك في دليل الانسداد فيما لو كان الاحتياط التامّ مخلاًّ بالنظام ، فإنّ نتيجة ذلك حينئذ هي تبعيض الاحتياط. هذا إذا كان الاضطرار بالغاً إلى هذا الحدّ من الوجوب العقلي أو الشرعي.
أمّا إذا كان الاضطرار غير بالغ إلى ذلك الحدّ ، بل كان من قبيل مجرّد العسر والحرج ففيه تأمّل ، من جهة أنّ دليل العسر والحرج لا يجري في المباحات ، وإنّما يتأتّى في التكاليف الالزامية إذا كانت موجبة للعسر والحرج ، والمفروض أنّ التكليف الالزامي فيما نحن فيه الذي هو حرمة أكل الميتة الموجودة في البين لم يكن مصطدماً مع العسر والحرج ، كما أفاده الأُستاذ قدسسره (١) في وجه وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر ، وما لم يكن العسر والحرج مصطدماً بالتكليف الواقعي لم يمكن أن يتحكّم عليه ، فلم يبق لنا إلاّ أن نقول إنّ التكليف الواقعي وإن
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٩٨ وما بعدها.