الاجمالي ، فإنّ مقتضى العلم الاجمالي بوجود الميتة بين السمكتين ، هو أنّ الميتة لو كانت هي هذه السمكة لوجب الاجتناب عنها بقول مطلق ، سواء اجتنب عن السمكة الأُخرى أو لم يجتنب ، وهكذا الحال من طرف العكس ، وهذا الجمع إنّما نشأ من إطلاق التكليف الواقعي المعلوم في البين ، وحيث كان الجمع المذكور حرجياً ، كان المرفوع بدليل رفع الحرج هو إطلاق التكليف المعلوم في البين ، لا أصل وجوب الاجتناب ، فيكون الحاصل أنّه إن كانت هذه هي الميتة لكان وجوب الاجتناب عنها مقيّداً بعدم الاجتناب عن الأُخرى ، وهكذا الحال من طرف العكس ، إذ لو كانت هذه هي الميتة لكان وجوب الاجتناب عنها عند الاجتناب عن تلك حرجياً ، فيكون مرفوعاً بدليل الحرج ، فلا يكون المرفوع حينئذ إلاّوجوب الاجتناب عن كلّ واحدة منهما لو كانت هي الميتة عند الاجتناب عن تلك ، أمّا عند ارتكاب إحداهما فلا يكون الاجتناب عن الأخرى حرجياً لو كانت الميتة هي الأُخرى.
والحاصل : أنّ العسر إنّما نشأ عن الجمع بين الاجتنابين ، وهو ـ أعني الجمع المذكور ـ لم ينشأ عن نفس ذلك التكليف الواقعي ، وإنّما نشأ عن إطلاقه وشموله لما إذا اجتنب عن الأُخرى وما إذا لم يجتنب عنها ، فيكون المرفوع هو الاطلاق المزبور.
وإن شئت فقل : إنّ الميتة لو كانت منطبقة على هذه السمكة لكان وجوب الاجتناب عنها عند الاجتناب عن الأُخرى مرفوعاً.
وهذا التقريب هو المستفاد ممّا أفاده الأُستاذ العراقي قدسسره في درسه ، وأشار إليه في مقالته (١) ونتيجته هي تبعيض الاحتياط كما أفاده شيخنا قدسسره ، وقد تعرّض
__________________
(١) مقالات الأُصول ٢ : ٢٤٥.