نحن فيه ـ بما ذكرتموه في باب الترتّب في مسألة الغريقين اللذين لا يكون أحدهما أهمّ من الآخر ، مع فرض عدم قدرة المكلّف على إنقاذهما معاً ، من أنّ العقل يقيّد إطلاق وجوب الإنقاذ في كلّ منهما بعدم إنقاذ الآخر ، أو أنّه يسقط كلا الخطابين وينتزع خطاباً تخييرياً بينهما ، فيلزم إنقاذ أحدهما وترك الآخر ، فلِمَ لا تجرون هذه الطريقة فيما نحن فيه ، فإنّ الحكم الواقعي الشرعي وهو وجوب الاجتناب عن النجس الموجود في البين وإن لم يكن في حدّ نفسه تكليفاً بغير المقدور ، إلاّ أن العلم الاجمالي بذلك التكليف الواقعي في البين يولّد حكمين عقليين احتياطيين وهو حكم العقل بوجوب الاجتناب عن هذا الطرف ووجوب الاجتناب عن ذلك الطرف ، وهذان الوجوبان العقليان لا يقدر المكلّف على الجمع بينهما ، فقهراً يحكم العقل ثانياً بتقييد كلّ من الاجتنابين بعدم الاجتناب عن الآخر ، أو يحكم ثانياً بحكم تخييري بينهما ، وهو معنى تبعيض الاحتياط.
وهذه الطريقة جارية في كلّ ما يكون من هذا القبيل ، كما لو علم إجمالاً على نحو الشبهة الوجوبية بأنّه يجب عليه عصر الجمعة إمّا الكون في مسجد الكوفة أو الكون في حرم سيّد الشهداء مثلاً ، أو أنّه كان قد نذر أحدهما واشتبها عليه ، بل هذا جارٍ في الشبهة قبل الفحص فيما لو احتمل وجوب هذا الضدّ واحتمل أيضاً وجوب ضدّه الآخر ، أو احتمل وجوب هذا الفعل واحتمل وجوب الفعل الآخر واتّفق أنّه لم يقدر على الجمع بينهما ، فإنّ الحكم في جميع ذلك هو التبعيض.
لأنّا نقول : إنّ ذلك مسلّم لا ريب فيه ، ولكنّه إنّما يتمّ فيما لو كان الاضطرار بالغاً حدّ عدم القدرة عقلاً ، دون ما لم يكن في البين إلاّمجرّد العسر والحرج ، الذي ينحصر رافعيته للتكليف بحكم الشارع ، الموقوف على كون المرفوع حكماً